عقد مركز دراسات الشرق الأوسط أمس السبت في العاصمة الأردنية عمان ندوة بعنوان "تحولات إسرائيل وتأثيرها في سياستها تجاه العرب والفلسطينيين"، حيث تناولت الندوة ثلاثة محاور رئيسية وهي التحولات السياسية في "إسرائيل"، التحولات الأمنية وأخيرا التحولات الاقتصادية والاجتماعية في "إسرائيل" .
جلسة الافتتاح
وتحدث رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية محمد بركة في جلسة الافتتاح عن مخرجات الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة مستعرضا خيارات تشكيل الحكومة ومنها تشكيل حكومة وهد وهي وحدة حكومة وطنية بين حزبي الأبيض الأزرق والليكود، أما الاحتمال الثاني سيطرة حزب الليكود على الحكومة أو العودة إلى صندوق الانتخابات مرة أخرى عند انتهاء الفترة القانونية لتشكيل الحكومة.
وتطرق بركة إلى قانون القومية اليهودي موضحا أنه قانون كارثي يهدد البقاء الفلسطيني من خلال حصر حق تقرير المصير باليهود فقط .
وطالب بركة في نهاية كلمته: "بوضع مشروع عربي لفضح قانون القومية العنصري ومقاومة نتائجه السلبية، وإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني التي وصفها بالنكبة الثانية الذي يخدم المشروع الصهيوني".
محرك خطير
فيما أوضح الأمين العام للجنة الملكية لشؤون القدس عبدالله كنعان أن إسرائيل تشكل محركا خطيرا في الواقع الإقليمي والعالمي وأنها تعتبر نموذج غير معهود في السياسة الدولية، من خلال عدم التزامها بالقوانين الدولية مقابل مطالبة البعض بالالتزام بالمعاهدات الدولية وأن إفراز العديد من الأحزاب زادت من عنصرية الدولة تجاه الفلسطينيين، مضيفا أن التدخل اليميني في جهاز التعليم أدى إلى إملاء وجهة نظر قومية دينية متشددة محاولة كسب التأييد الدولي من خلال سياساتها الاقتصادية.
وأشار كنعان إلى أن شعور "إسرائيل" بالخطر نتيجة فرض واقع سياسي شرق أوسطي خالي من إسرائيل أدى إلى تحرك اللوبي الصهيوني للقضاء على الجيوش العربية القوية واشغالها في حروب اهلية أو اقليمية بهدف اضعافها.
نطاق الجغرافيا
من جهته اعتبر وزير الخارجية الأردني الأسبق كامل أبو جابر أن المشروع الصهيوني يتجاوز نطاق الجغرافيا وأنها تعمل على رزع الصراع في المنطقة وإضعافها وتفتيت الدول العربية لتظل إسرائيل مسيطرة على المنطقة، مع استمرار الحركة الصهيونية في شيطنة العرب لدى العالم العربي، وخلق حالة من العداء بين القوميات الرئيسية في المنطقة والتي تتكون من العرب والفرس والترك والأكراد، كما اعتبر أبوجابر أن صفقة القرن تمثل مشروعاً قديماً تم تنفيذ العديد من بنودها التي تتمحور حول تصفية القضية الفلسطينية.
فيما أكد مدير مركز دراسات الشرق الأوسط الدكتور بيان العمري ضرورة وضع استراتيجية للخروج مما تواجهه الأمة من أزمات وتحديات في مواجهة أعدائها ومواجهة المشاريع الدولية والإقليمية الساعية لإضعاف الأمة العربية، معتبراً أن الاستسلام لهذا الواقع يعيق تحقيق المصالح الوطنية والقومية العليا، في حين إسرائيل تعزيز استمرارها.
وأشار العمري إلى سلسلة من الندوات المتخصصة التي عقدها مركز دراسات الشرق الأوسط في خدمة المسار السياسي العملي، وسعيه من خلال هذه الندوة لتأسيس تصور متكامل حول التحولات الإسرائيلية وكيفية التعامل مع الاحتلال والصراع والأدوات اللازمة لمواجهته وتحقيق المصالح العليا للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
التحولات السياسية في "إسرائيل"
وأدار الجلسة الأولى من الندوة التي كانت تحت عنوان التحولات السياسية في اسرائيل محمد بركة وتحدث فيها مدير عام المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية في حيفا مهند مصطفى مشيرا إلى أن نتائج الانتخابات الأخيرة هي نتاج لتحولات سابقة ادت الى الهيمنة اليمينية وتحولها من حزب الى كتلة التي بدأ بتغير الجهاز القضائي والمجتمع الصهيوني من خلال السيطرة على السياسة الاسرائيلية وأن اليمين هو الوحيد القادر على تشكيل حكومة لأنه الوحيد الذي له حضور في كل الطبقات الاجتماعية في المجتمع اليهودي عكس معسكر اليسار الذي ينحصر حضوره في الطبقة الوسطى.
فيما اعتبر الدكتور نظام بركات رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة اليرموك أن الساحة السياسية في إسرائيل شهدت مجموعة من التحولات الرئيسية ومن أبرزها، زيادة تفكك وتشرذم الحركات والأحزاب السياسية وظهور حالة من سيطرة الأحزاب الصغيرة والمتوسطة على تشكيل الحكومات الإسرائيلية غير المتجانسة، وغياب الدور الفعال للقيادات الكارزمية والتاريخية وصعود التيار الديني القومي في إسرائيل وازدياد تأثيره على السياسة الإسرائيلية، وانحسار دور المؤسسة العسكرية لصالح القوى اليمنية والدينية في النظام السياسي ،مع تراجع الثقة بالسلطة ومؤسساتها الرسمية سواء على صعيد السلطة التنفيذية أو التشريعية.
وأشار بركات إلى أثر هذه التحولات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين والعرب، ومنها تغيرات جذرية في وسائل الصراع بين العرب وإسرائيل وتراجع إمكانية نشوب حروب واسعة في المنطقة والاتجاه لتحويل الصراع العربي- الإسرائيلي إلى نزاع فلسطيني- إسرائيلي، وتعميق سياسة التمييز ضد الشعب الفلسطيني ومصادرة حقوقه وتهويد الأراضي المحتلة وشرعنة الاستيطان الذي شرع في ابتلاع أراضي المناطق المحتلة سنة 67، و تهميش دور الأقلية العربية في إسرائيل والذين يشكلون حوالي 20% من سكان إسرائيل وتصاعد التهديدات الإسرائيلية بسلب حقوقهم المدنية، مع تعاظم الهجمة الصهيونية على القدس وازدياد الانتهاكات الإسرائيلية و إلغاء حق العودة للاجئين، ومحاولة تصفية دور وكالة (الأونروا) استنادًا إلى الدعم الأمريكي في ظل سياسة ترامب المؤيدة لأطماع الحكومة الإسرائيلية اليمينية.
التحولات الأمنية في "إسرائيل"
أما الجلسة الثانية والتي حملت عنوان "التحولات الأمنية في اسرائيل" أدارها عضو فريق الأزمات العربي في مركز دراسات الشرق الأوسط قاصد محمود تحدث فيها أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في الكلية الأكاديمية بيت بيرل جوني منصور موضحا أن تجربة نتنياهو تميزت في هذه الفترة الزمنية بكونها متعددة الاتجاهات الامنية والاقتصادية والسياسية داخليا في "اسرائيل" واقليميا ودوليا.
واشار منصور إلى أن التحولات الأمنية داخل "اسرائيل" تتمحور داخل ثمانية محاور مركزية لفهم التحولات الأمنية وتأثيرها في سياساتها تجاه العرب والفلسطينيين.
وبشيء من التفصيل ذكر منصور النقاط الثمانية وهي المحور الأول بيان مفهوم الأمن القومي والعقيدة العسكرية في اسرائيل والتحولات التي طرأت عليها، حيث تحولت إسرائيل من حالة هجوم ومباغته الى حالة حماية الجبهة الداخليه والدفاع عنها، أما المحور الثاني أن الوضع داخل اسرائيل والتحولات التي شهدتها خلال هذا العقد وخصوصا في بنية الجيش وتعاطية مع الازمات الاقليمية والدولية .
وعرض منصور في المحور الثالث للتحولات الإقليمية ودور "اسرائيل" فيها وتفاعلها معها سياسيا وعسكريا على الصعيدين الاقليمي والدولي، وعن علاقات إسرائيل مع دول من خارج المنطقة وأثر ذلك على سلوكها وتوجهها السياسي والعسكري هو المحور الرابع.
وتطرق منصور حول الملف النووي الإيراني الذي يعتبره نتنياهو أشد خطورة على وجود اسرائيل ومستقبلها وهو المحور الخامس .
واما القضية الفلسطينية ومحاولات الحكومة الاسرائيلية لتصغر محوريتها وتحويلها الى قضية هامشية من خلال اقناع بعض الدول العربية وخصوصا دول الخليج بان طول المدة الزمنية لم يسعف القضية الفلسطينية وان "اسرائيل" طبيعية في المنطقة وهو المحور السادس التي اشار إليه المنصور .
وجاء المنصور موضحا ان المحور السابع يسلط الضوء حول امكانيات فتح جبهة قتالية في شمالي فلسطين مع حزب الله يمكن أن تعانيه الدولة الإسرائيلية في حال صوب حزب االله سلاحه باتجاه اسرائيل .
وختم منصور عرض ورقته بالمحور الثامن الى لجوء "اسرائيل" لحرب من نوع جديد تمرست فيها وهو الحرب القادمة "حرب السايبر" التي قد تسهم في إحداث حالات من البلبلة حال استخدامها خصوصا أن الميليشيات وحكومات عربية متواضعه من حيث القدرات والثروات وما تملكه من مخزون تكنولوجي.
وقدم المدير العام الاسبق لمركز الراسات الاستراتيجية في القوات المسلحة محمود ادريسات الورقة الثانية من الجلسة الثانية مبينا أن اسرائيل تبنت منذ قيامها مقولة بن غوريون الشهيرة "ان حدود اسرائيل تكون حيث يقف جنودها".
وفي ضوء ذلك قال ادريسات إن نظرية الامن الاسرائيلي تعتمد على عدد من العوامل المتاخله في مقدمتها القوة العسكرية واستمرارية الهجرة اليهودية الى فلسطين اضافة إلى توسيع الاستيطان والسعي لامتلاك التكنولوجيا وخاصة العسكرية منها لتبقى متفوقة اقليميا، إلى جانب الاستمرار بعلاقات استراتيجية مع الدول العظمى .
إلا أن ما جرى في عام 2009 من تحولات أمنية اسرائيلية الذي له جذوره من حرب لبنان 2006، كما أن زيادة نفوذ حركة حماس في الضفة الغربية وغزة ووصلها لاحقا الى السلطة أسهم في تعزيز مخاوف اسرائيل على امنها الداخلي وسترسل ادريسات حديثه عن أن الربيع العربي أدى الى الكثير من الاضطراب والارتباك لدى صانع القرار الاسرائيلي تحسبا من نجاح ثورات الشعوب في التقدم نحو الحرية والديمقراطية، إلى جانب الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة والدول الكبرى من جهة وايران من جهة اخرى وكلها أدت إلى تحولات أمنية جديدة .
وبين ادريسات أن التعامل مع هذه التحولات بحاجة الى انجاز المصالحة الفلسطينية ومراجعة دور السلطة في التنسيق الامني مع اسرائيل اضافة الى استعادة دور منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل دورها لتكون رافعة النضال الفلسطيني شعبيا ورسميا اضافة الى اجراء انتخابات لرفد السلطة ومؤسساتهابكوادر جديدةوايجاد وسيلة لفك ارتباط واعتماد الاقتصاد الفلسطيني على دولة الاحتلال.
التحولات الاقتصادية والاجتماعية في "إسرائيل"
كما بحثت الجلسة الثالثة من الندوة والتي أدارها الوزير الأسبق الدكتور محمد مامسر التحولات الاقتصادية والاجتماعية في إسرائيل، حيث أشار الدكتور نصر عبد الكريم أستاذ المالية والمحاسبة في كلية الدراسات العليا في الجامعة العربية الأميركية في رام الله إلى ما يتميز النظام الاقتصادي الإسرائيلي من درجة عالية من المركزية خصوصًا في سيطرة الحكومة على الموارد، وارتباطه بشكل وثيق بالسياسة التوسعية المبنية على أيدولوجية قومية دينية يهودية، وأثر هذا الاقتصاد بشكل مباشر وجوهري على الفلسطينيين والعرب، والسيطرة الإسرائيلية على توجيهات المساعدات الأمريكية وسياسة العقوبات الاقتصادية سواءً كانت على الفلسطينيين أو العرب.
وأكد عبد الكريم أن أحد أبرز التحولات الاقتصادية في هذه الفترة هي تناغم الرئيس الأمريكي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في اعتماد الاقتصاد أساس سياسة العصا والجزرة تجاه العديد من الدول والمؤسسات والأفراد، والسعي الإسرائيلي لفتح آفاق جديدة لبيع منظومات التكنولوجيا ومعدّات تحلية المياه وغيرها إلى الأسواق الخليجية والعراق والدول الأفريقية خصوصًا عن طريق الأردن وبعض الدول الأوروبية، والتطبيع مع الدول العربية .
من جهته أشار الدكتور خالد إبو عصبة مدير معهد مسار للأبحاث الاجتماعية والتطبيقية في حيفا ما يعيشه واقع المجتمع الإسرائيلي اجتماعيًا واقتصاديًا من التناقض الداخلي ومشاكل أساسية تتعلق بالمبنى الاجتماعي والتباين الثقافي لدى قطاعات عديدة داخل المجتمع الإسرائيلي، وحالة القلق على استمرار التماسك الاجتماعي والثقافي للمجتمع الإسرائيلي في ظلّ خشية فقدان الروح الوطنية "الصهيونية" والتي طالما عملت المؤسسة على تعزيزها، وأثر هذه التغيرات على المبنى الاجتماعي الإسرائيلي من خلال اتساع الفجوة في الدخل الفردي والأسري، والاستقطاب السياسي لمجموعات وفئات في ظل صراع على اقتسام الحصة الاقتصادية ، وتراجع أو شبه انهيار منظمة العمال العامة ، وتفكيك دولة الرفاهية وانقسام الطبقة الوسطى، وخلق فجوة كبيرة بين "الطبقة الوسطى العليا" و"الطبقة الوسطى السفلى".
وأشار أبو عصبة إلى السياسة الإسرائيلية لخلق واقع بعدم وجود أي إمكانية من التطور الاقتصادي الفلسطيني في ظل سيطرة محكمة للاحتلال، وجعل هذا الاقتصاد مرتبط بالاقتصاد الإسرائيلي ومتحكم حتى بقراراته السياسية، في حين يتم دمجهم فلسطينيي الداخل في الاقتصاد الإسرائيلي كأفراد بشكل حقيقي بحيث يخدمون في رفع معدل النمو الاقتصادي، مع تحطيم الكيان الجماعي للفلسطينيين اجتماعيًا وثقافيًا وقوميًا وسياسيًا بواسطة تشريع القوانين واتخاذ إجراءات صارمة بحق تنظيمات سياسية، وهو ما يهدف في النهاية إلى تحويل الفلسطينيين في إسرائيل إلى عمال مهاجرين يخدمون الاقتصاد الإسرائيلي، وليس لهم كيان جماعي، بمعنى أن يتحولوا إلى مجتمع هش منكسر فوضوي يسوده الخلاف والصراع.