القلعة نيوز : قالت مدونة نشرت على موقع صندوق النقد الدولي ان الأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة كوفيد - 19 تعد الصدمة الأكبر والأعمق من نوعها في التاريخ الحديث ويمكن أن تلحق ضررا طويل المدى بالاقتصادات في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
التحديات التي تواجه المالية العامة في المنطقة
وفي آخر إصدار من تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي: الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، يستكشف خبراء الصندوق هذه الآفاق وكيف تستطيع البلدان اتخاذ خطوات لتجنب الأثر الاقتصادي الغائر وتعزيز صلابتها في مواجهة الصدمات.
ومن المفهوم بداهة أن الأثر الاقتصادي الغائر يحدث حين تتسبب إحدى الأزمات في انخفاض الإنتاجية وضعف الطلب على نحو مستمر. وتعتمد حدة هذا الأثر على الظروف المسبقة للبلد المعني عند وقوع الأزمة وكيف يواجهها البلد فيما بعد. فالأزمة المالية العالمية، على سبيل المثال، كان لها تأثير غائر إلى حد كبير في المنطقة. بل إنه مع نهاية عام 2019، لم يكن ثلث بلدان المنطقة قد عاد إلى اتجاهات الناتج السابقة على الأزمة؛ أما البلدان التي نجحت في استعادة هذا المستوى مع نهاية ذلك العام، فقد استغرقها الأمر أكثر من خمس سنوات لتحقيق هذا الهدف.
لماذا يشكل هذا الأثر الغائر خطرا في الوقت الراهن؟
نظرا للطابع غير المسبوق الذي تتسم به التحديات الحالية والمستوى المرتفع لمواطن الضعف في المالية العامة وميزان المدفوعات الخارجية منذ ما قبل الأزمة، تواجه بلدان منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى احتمالا مروعا يتمثل في أن يستمر أثر هذه الأزمة لفترة أطول حتى مقارنة بالأزمة المالية العالمية. وحسب تقديراتنا لآفاق الاقتصاد، فإن إجمالي الناتج المحلي في بلدان المنطقة يمكن أن يصل بعد خمس سنوات من الآن إلى مستوى أقل بنسبة 12 % من الاتجاهات العامة السابقة على الأزمة – في مقابل 9 % في الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. والأكثر من ذلك أن العودة إلى اتجاهات ما قبل الأزمة يمكن أن تستغرق أكثر من عقد كامل.
وقد يحدث هذا الأثر الغائر في بضع مجالات أساسية في المنطقة. أولا، إن استمرار إجراءات احتواء الجائحة تعرض الخدمات، وخاصة السفر والسياحة، لاضطرابات حادة وخسائر فادحة. والواقع أننا نتوقع حسب السيناريو الأساسي أن ينخفض إجمالي الناتج المحلي ونمو التوظيف بنسبة 5 نقاط مئوية في عام 2020 في كل من البلدان المعتمدة على السياحة – مثل جورجيا والأردن ولبنان والمغرب – مع استمرار آثار الأزمة لفترة تصل إلى خمس سنوات.
ثانيا، مع زيادة الرفع المالي وانخفاض الربحية، دخلت شركات المنطقة حقبة الأزمة وهي في وضع أضعف مما كانت عليه في الأزمات السابقة. وتشير بيانات النصف الأول من عام 2020 إلى أن إيرادات الشركات هبطت بنسبة 7 %، كما وصل الهبوط إلى رقم من خانتين في كثير من القطاعات، مثل الطاقة والصناعة التحويلية والخدمات. ومن المرجح أن يستغرق الأمر سنوات حتى تتمكن الشركات في المنطقة من إزالة الضرر الذي لحق بها، مما يزيد من مخاطر عجز الشركات عن السداد على المدى المتوسط.
ثالثا، من المقدر أن تحويلات المغتربين قد تقلصت بنسبة 23 % في المتوسط أثناء النصف الأول من عام 2020. وسيؤدي استمرار انخفاض هذه التحويلات إلى تخفيض الطلب الخاص وتفاقم الفقر وعدم المساواة. ومن الممكن أن تشهد الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات، كاليمن والسودان، وغيرها من البلدان المعتمدة على تحويلات المغتربين، مثل مصر وباكستان وأوزبكستان، زيادة مجمَّعة في أعداد السكان الذين يعيشون في فقر مدقع في عام 2020 تصل إلى 1,3 مليون نسمة.
وأخيرا، كانت البطالة المرتفعة تحاصر بلدان المنطقة حتى قبل استشراء جائحة كوفيد - 19، وأدت قدرتها المحدودة على العمل من المنزل وشيوع النشاط غير الرسمي فيها إلى تفاقم تأثير الإغلاقات العامة على نتائج العمل. وتشير الأدلة المستخلصة من الصدمات السابقة إلى أن حالات الهبوط الاقتصادي في المنطقة عادة ما تترك آثارا طويلة الأمد على سوق العمل، وأن فترات البطالة لها آثار دائمة ضارة على آفاق التوظيف للأفراد.
معالجة التحديات القادمة
كل هذه العوامل تشير إلى مسار صعب في الفترة القادمة بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. ولكن، لحسن الحظ، لا يزال من الممكن تجنب انتشار الآثار الغائرة إذا قامت السلطات بتحرك سريع وحاسم.
وسيكون من الضروري تشجيع التعافي الاقتصادي دون خلق قطاعات جوفاء «زومبي» تعتمد على الدعم الحكومي. ويعني هذا أن السياسات ينبغي أن تقتصر على دعم مؤسسات الأعمال التي تتوافر لها مقومات الاستمرار، مع تيسير التدريب التحويلي وإعادة توزيع العمالة ورأس المال بعيدا عن القطاعات التي تشهد تراجعا دائما. وسيكون من الضروري اتخاذ إجراءات مثل الدعم المؤقت للأجور ودعم الفائدة وتأجيل الضرائب لضمان كفاية السيولة لدى مؤسسات الأعمال. وإذا ارتفعت ضغوط الملاءة، سيتعين وضع أطر قوية للإعسار لضمان سرعة تسوية الأوضاع بغية تقليص الآثار المعاكسة على الاستقرار المالي. وفي هذه الأثناء، يجب إعطاء أولوية للفئات الأكثر تعرضا للمخاطر وتوفير الحماية لهم. وينبغي حماية الإنفاق على الصحة والتعليم والمساعدات الاجتماعية، واستكشاف حلول رقمية مبتكرة لتحسين تحديد الفئات المستهدفة وتوسيع نطاق التغطية. وبالنسبة للبلدان التي تمتلك حيزا ماليا كافيا وشبكات أمان اجتماعي ضعيفة، يمكن النظر في التحويلات النقدية غير المشروطة على أساس مؤقت ريثما يجري العمل على تحديد الفئات المستهدفة بشكل أفضل. وسيكون إعادة تسليح العاملين في القطاعات الأشد تأثرا بالمهارات اللازمة في قطاعات أخرى عاملا أساسيا لتجنب البطالة المطولة. وبالنسبة للعاملين المغتربين، ينبغي أن تشجع البلدان زيادة الحركية الداخلية، ودعم الحفاظ على الوظائف، وتعزيز البرامج الداعمة للاتساق بين الوظائف المتاحة ومهارات العاملين وبرامج البحث عن فرص عمل. كذلك ينبغي للبلدان أن تحسن منصاتها الرقمية، الأمر الذي سيدعم صلابة سوق العمل ويسمح للبلدان بالاستفادة من قيمة الاقتصاد الرقمي. وستترك جائحة كوفيد - 19 أثرا لا ينمحي على عام 2020 وما بعده، وذلك بتكلفة إنسانية واقتصادية تفوق التصور. غير أن السياسات الفعالة والتحرك الحاسم يمكن أن تجنب بلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى مغبة الدخول في عِقد ضائع وتتيح لها الخروج من الجائحة بآفاق قوية لمستقبل مزدهر وشامل للجميع وأكثر صلابة في مواجهة الصدمات.