د. مروان المعشر
سأتجاوز في هذا الطرح قضية من سيحكم غزة بعد الحرب، ذلك أنه ليس هناك من طروحات واضحة، أو مقبولة من الأطراف كافة، فلا السلطة الوطنية الفلسطينية بشكلها الحالي قادرة على فعل ذلك، كما لها مصداقية كافية لدى الفلسطينيين، ولا الدول العربية راغبة في استلام غزة بشكلها المنكوب بعد الحرب. تعارض الولايات المتحدة إعادة احتلال إسرائيل لغزة بشكل مطلق، كما أنه ليس من الواضح طبيعة أي نظام دولي لضمان الأمن والفصل بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، لا يبدو أن هناك تصورا واضحا أو حلا مقبولا لوضع غزة بعد الحرب حتى الآن.
لكن وضع غزة بعد الحرب لن يشكل التحدي الأكبر، فالقضية الفلسطينية أكبر من مجرد وضع غزة، ولا بد لأي طرح جدي لأي مسار سياسي قد يتبلور بعد الحل أن يعالج المسألة الكبرى المتعلقة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكل الأراضي الفلسطينية المحتلة. أما العودة للتفكير بحلول ما قبل 7 أكتوبر فلن يقتنع بها أحد، ولن تقود إلى حلول دائمة وسلام يعم المنطقة. بدأت من الآن أخبار ترشح بأن الولايات المتحدة تفكر بمسار سياسي بعد الحرب، يأخذ بعين الاعتبار وضع الفلسطينيين تحت الاحتلال.. وما زالت الإدارة الأمريكية تردد أن الحل الوحيد للصراع هو حل الدولتين. حسنا، فلننظر إلى العوامل الواجب توافرها من أجل الوصول إلى هذا الحل النظري على الأقل، بغير ذلك، سنعود لاسطوانة حل الدولتين، من دون إقرانها بخطة محكمة لترجمة هذا الشعار إلى واقع، وبما يخدم الأهداف الإسرائيلية فقط.
العامل الأول هو توافر إرادة دولية راسخة، وبقيادة الولايات المتحدة (ليس هناك من مرشح واقعي آخر لهذه القيادة) لإطلاق مسار سياسي يقوم بتعريف الهدف النهائي للمسار منذ البداية، وهو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، بما فيها القدس الشرقية مع السماح بتبادل طفيف ومتساو للحدود. فإن تم تعريف هذا الهدف، يمكن العودة للوراء للاتفاق على الخطوات المطلوبة لتحقيق هذا الهدف، ضمن فترة زمنية قصيرة ومحددة.
من أهم أخطاء عملية أوسلو والعمليات السياسية كافة بعدها أنها لم تقم بتحديد الهدف النهائي، ما جعل إسرائيل تناور في عملية سياسية مفتوحة الأمد بينما تبتلع المزيد من الأرض. كما على الولايات المتحدة أن تبدي الرغبة والقدرة على الضغط الجدي على إسرائيل، وهي التي لم تبد رغبة في إطلاق مسار سياسي منذ تسع سنوات، كما لم تبد لا الرغبة ولا القدرة على الضغط الجاد على إسرائيل. وعليها أن تفعل كل ذلك في خضم انتخابات رئاسية أمريكية يتنافس فيها الحزبان الديمقراطي والجمهوري على إظهار الدعم لإسرائيل. اترك للقارئ الحكم على فرصة أن تقوم الولايات المتحدة بكل ذلك.
العامل الثاني المطلوب توافره هو حكومة إسرائيلية جديدة، تتوافر لديها الرغبة في انهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية. صحيح أن كل استطلاعات الرأي الإسرائيلية تشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تشهد نهاية أيامها، حيث تضع الغالبية العظمى من الإسرائيليين اللوم عليها، لعدم استعدادها لما حدث، ولكن هذا لا يعني أن الحكومة الاسرائيلية المقبلة ستكون أكثر مرونة من هذه الحكومة في ما يتعلق بالعملية السلمية. لقد انتهى معسكر السلام في إسرائيل منذ زمن، وموقف المعارضة الإسرائيلية اليوم لا يختلف كثيرا عن موقف نتنياهو في القضية الفلسطينية، فما بالك القبول بإنهاء الاحتلال.
أما العامل الثالث فهو سلطة فلسطينية نابعة من انتخابات جديدة، وقادرة على التحدث باسم الفلسطينيين، فقد بات من الواضح أن السلطة بشكلها الحالي لا تستطيع أن تدعي ذلك. ولكن أحدا من الفرقاء لا يريد مثل هذه الانتخابات، فالولايات المتحدة تخشى صعود حماس إلى الواجهة، وإسرائيل كذلك، إضافة إلى عدم رغبتها الدخول في مفاوضات جادة لإنهاء الاحتلال، بينما تدرك السلطة الفلسطينية، أن أي انتخابات جديدة ستنحيها عن الحكم.
أورد هذه العوامل لأظهر صعوبة بدء أي مسار جدي، لمعالجة الصراع جذريا، فإن كان حل الدولتين لا يزال ممكنا لدى المجتمع الدولي نظريا، فإن إعادة احيائه من قبل المجتمع الدولي بحاجة لشروط تبدو تعجيزية. ومع ذلك، لا بد للمجتمع الدولي أن يدرك أن عدم تعامله الجدي لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي معناه الوحيد استمرار دوامة العنف، وواقع جديد فرضه 7 أكتوبر، وتحويل الصراع من شكل الحل إلى التعامل مع دولة إسرائيلية على رأس نظام من الفصل العنصري. هذه هي النتيجة المباشرة لتجاهل المجتمع الدولي للاحتلال الإسرائيلي. في النهاية، خاصة مع هذا الاصرار الفلسطيني البطولي للصمود على الأرض الفلسطينية، لن تستطيع اسرائيل إدامة نظام الأبرتهايد إلى الأبد.
القدس العربي
سأتجاوز في هذا الطرح قضية من سيحكم غزة بعد الحرب، ذلك أنه ليس هناك من طروحات واضحة، أو مقبولة من الأطراف كافة، فلا السلطة الوطنية الفلسطينية بشكلها الحالي قادرة على فعل ذلك، كما لها مصداقية كافية لدى الفلسطينيين، ولا الدول العربية راغبة في استلام غزة بشكلها المنكوب بعد الحرب. تعارض الولايات المتحدة إعادة احتلال إسرائيل لغزة بشكل مطلق، كما أنه ليس من الواضح طبيعة أي نظام دولي لضمان الأمن والفصل بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، لا يبدو أن هناك تصورا واضحا أو حلا مقبولا لوضع غزة بعد الحرب حتى الآن.
لكن وضع غزة بعد الحرب لن يشكل التحدي الأكبر، فالقضية الفلسطينية أكبر من مجرد وضع غزة، ولا بد لأي طرح جدي لأي مسار سياسي قد يتبلور بعد الحل أن يعالج المسألة الكبرى المتعلقة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكل الأراضي الفلسطينية المحتلة. أما العودة للتفكير بحلول ما قبل 7 أكتوبر فلن يقتنع بها أحد، ولن تقود إلى حلول دائمة وسلام يعم المنطقة. بدأت من الآن أخبار ترشح بأن الولايات المتحدة تفكر بمسار سياسي بعد الحرب، يأخذ بعين الاعتبار وضع الفلسطينيين تحت الاحتلال.. وما زالت الإدارة الأمريكية تردد أن الحل الوحيد للصراع هو حل الدولتين. حسنا، فلننظر إلى العوامل الواجب توافرها من أجل الوصول إلى هذا الحل النظري على الأقل، بغير ذلك، سنعود لاسطوانة حل الدولتين، من دون إقرانها بخطة محكمة لترجمة هذا الشعار إلى واقع، وبما يخدم الأهداف الإسرائيلية فقط.
العامل الأول هو توافر إرادة دولية راسخة، وبقيادة الولايات المتحدة (ليس هناك من مرشح واقعي آخر لهذه القيادة) لإطلاق مسار سياسي يقوم بتعريف الهدف النهائي للمسار منذ البداية، وهو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، بما فيها القدس الشرقية مع السماح بتبادل طفيف ومتساو للحدود. فإن تم تعريف هذا الهدف، يمكن العودة للوراء للاتفاق على الخطوات المطلوبة لتحقيق هذا الهدف، ضمن فترة زمنية قصيرة ومحددة.
من أهم أخطاء عملية أوسلو والعمليات السياسية كافة بعدها أنها لم تقم بتحديد الهدف النهائي، ما جعل إسرائيل تناور في عملية سياسية مفتوحة الأمد بينما تبتلع المزيد من الأرض. كما على الولايات المتحدة أن تبدي الرغبة والقدرة على الضغط الجدي على إسرائيل، وهي التي لم تبد رغبة في إطلاق مسار سياسي منذ تسع سنوات، كما لم تبد لا الرغبة ولا القدرة على الضغط الجاد على إسرائيل. وعليها أن تفعل كل ذلك في خضم انتخابات رئاسية أمريكية يتنافس فيها الحزبان الديمقراطي والجمهوري على إظهار الدعم لإسرائيل. اترك للقارئ الحكم على فرصة أن تقوم الولايات المتحدة بكل ذلك.
العامل الثاني المطلوب توافره هو حكومة إسرائيلية جديدة، تتوافر لديها الرغبة في انهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية. صحيح أن كل استطلاعات الرأي الإسرائيلية تشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تشهد نهاية أيامها، حيث تضع الغالبية العظمى من الإسرائيليين اللوم عليها، لعدم استعدادها لما حدث، ولكن هذا لا يعني أن الحكومة الاسرائيلية المقبلة ستكون أكثر مرونة من هذه الحكومة في ما يتعلق بالعملية السلمية. لقد انتهى معسكر السلام في إسرائيل منذ زمن، وموقف المعارضة الإسرائيلية اليوم لا يختلف كثيرا عن موقف نتنياهو في القضية الفلسطينية، فما بالك القبول بإنهاء الاحتلال.
أما العامل الثالث فهو سلطة فلسطينية نابعة من انتخابات جديدة، وقادرة على التحدث باسم الفلسطينيين، فقد بات من الواضح أن السلطة بشكلها الحالي لا تستطيع أن تدعي ذلك. ولكن أحدا من الفرقاء لا يريد مثل هذه الانتخابات، فالولايات المتحدة تخشى صعود حماس إلى الواجهة، وإسرائيل كذلك، إضافة إلى عدم رغبتها الدخول في مفاوضات جادة لإنهاء الاحتلال، بينما تدرك السلطة الفلسطينية، أن أي انتخابات جديدة ستنحيها عن الحكم.
أورد هذه العوامل لأظهر صعوبة بدء أي مسار جدي، لمعالجة الصراع جذريا، فإن كان حل الدولتين لا يزال ممكنا لدى المجتمع الدولي نظريا، فإن إعادة احيائه من قبل المجتمع الدولي بحاجة لشروط تبدو تعجيزية. ومع ذلك، لا بد للمجتمع الدولي أن يدرك أن عدم تعامله الجدي لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي معناه الوحيد استمرار دوامة العنف، وواقع جديد فرضه 7 أكتوبر، وتحويل الصراع من شكل الحل إلى التعامل مع دولة إسرائيلية على رأس نظام من الفصل العنصري. هذه هي النتيجة المباشرة لتجاهل المجتمع الدولي للاحتلال الإسرائيلي. في النهاية، خاصة مع هذا الاصرار الفلسطيني البطولي للصمود على الأرض الفلسطينية، لن تستطيع اسرائيل إدامة نظام الأبرتهايد إلى الأبد.
القدس العربي