*ليس من مصلحة الصين أن يستمر التوتر بين إيران وباكستان لما قد يلحق ذلك من أضرار بمصالحها السياسية والاقتصادية في المنطقة، وهي أكثر الدول التي كان من المرجح أن تنجح وساطتها لتبريد الأجواء بينهما.
الدكتورة تمارا برو - أستاذة محاضرة في الجامعة اللبنانية وباحثة في الشأن الصيني
شهدت منطقة الشرق الأوسط الكبير تصعيداً عسكرياً خطيراً خلال الأيام الأخيرة أثار مخاوف دول إقليمية ودولية من اندلاع حرب إقليمية في المنطقة. من غزة إلى جنوب لبنان، فسوريا والعراق والبحر الأحمر، والضربات المتبادلة بين باكستان وإيران، كل ذلك يشي بأنَّ المنطقة على فوهة بركان يمكن أن ينفجر في أي وقت، فتصيب حممه دول الشرق الأوسط من دون استثناء ما لم يتم تداركه.
أثارت الضربات المتبادلة بين إيران وباكستان المخاوف من أن تتحول إلى حرب بين البلدين الجارين، وخصوصاً بعد التصعيد الدبلوماسي بينهما. وفي إثر هذا التوتر، سارعت بكين إلى إعلان رغبتها في التوسط بين إسلام أباد وطهران لتهدئة الأوضاع بينهما.
ليس من مصلحة الصين أن يستمر التوتر بين إيران وباكستان لما قد يلحق ذلك من أضرار بمصالحها السياسية والاقتصادية في المنطقة، وهي أكثر الدول التي كان من المرجح أن تنجح وساطتها لتبريد الأجواء بينهما، نظراً إلى العلاقة الوثيقة التي تربطها بكلا البلدين والثقة التي تحظى بها لديهما.
تربط إيران بالصين شراكة استراتيجية شاملة مدتها 25 عاماً. وقعت اتفاقية الشراكة عام 2021، وبدأ تنفيذها عام 2022، وهي تتضمن مجموعة متنوعة من الأنشطة الاقتصادية من النفط والتعدين وتعزيز النشاط الاقتصادي في إيران، فضلاً عن التعاون في مجال البنى التحتية والزراعة وغيرها.
ويرتبط البلدان بعلاقات تجارية كبيرة، إذ إنَّ بكين هي أكبر شريك تجاري لطهران. وقد وصل حجم التبادل التجاري بينهما خلال الأشهر الـ11 من العام 2023 إلى نحو 13.4 مليار دولار أميركي، والصين هي أكبر مستورد للنفط الإيراني، إذ صدّرت إيران إلى الصين العام الماضي أكثر من مليون و200 ألف برميل نفط يومياً.
وخلال العام الماضي، زار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الصين، والتقى الرئيس الصيني شي جين بينغ، ما ساهم في تعزيز العلاقات بين البلدين في مجالات شتى، ولا سيما البنى التحتية والنفط والصحة والزراعة والتعاون العسكري. ونظراً إلى الثقة التي تتمتع بها بكين لدى طهران، فقد نجحت في أداء دور الوسيط بين إيران والسعودية بعد سنوات من توتر العلاقات بينهما.
كما أن علاقة الصين بباكستان ودية وقوية. وقد تطورت بعدما أعلن الجانبان عن الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني عام 2013. ويرتبط الطرفان بعلاقات كبيرة في المجال العسكري والتجاري، إذ وصل حجم التبادل التجاري بينهما في العام 2023 إلى نحو 20.7 مليار دولار أميركي.
ما يميز العلاقات الصينية الباكستانية هو الممر الاقتصادي بينهما، وهو جزء أساسي من مبادرة الحزام والطريق. وقد خصصت الصين للممر مليارات الدولارات، وهو يربط بين مدينة كشغر في إقليم شينغيانغ الصيني وميناء غوادر في إقليم بلوشستان المضطرب الذي استهدف فيه حرس الثورة الإيراني جماعة "جيش العدل" الإرهابية.
وبالتالي، فإن توتر العلاقات بين إيران وباكستان سيلحق ضرراً بمصالح الصين في البلدين، ويُفشل مبادرة الحزام والطريق والممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي تسعى الصين إلى انضمام إيران إليه في المستقبل بعد توسعه ليشمل أفغانستان.
تعمل الصين مع إيران وباكستان على مكافحة الإرهاب. لذلك، عقدت الدول الثلاث في شهر حزيران/يونيو الماضي الاجتماع الأول لمناقشة التعاون في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب في المنطقة، وبالتالي فإن تدهور العلاقات بين إيران وباكستان سيؤثر في التعاون الأمني بين الدول الثلاث.
تخشى الصين أن يؤدي التوتر بين إيران وباكستان إلى انفلات الأوضاع الأمنية في المنطقة وارتفاع وتيرة هجمات الجماعات المسلحة المتشددة والإرهابين ضد مواطنيها وشركاتها؛ فقد شهدت الأعوام الأخيرة تزايداً في وتيرة هجمات الجماعات المسلحة ضد الصين. في باكستان مثلاً يعارض انفصاليو البلوش الذي ينشطون في إقليم بلوشستان الاستثمارات الصينية في الإقليم والاستثمار في ميناء غوادر. لذلك، شنوا هجمات ضد الصين في مناطق مختلفة من باكستان بدعم خارجي.
كما شنّ تنظيم "داعش خراسان" هجمات ضد الصين في أفغانستان، ومن المحتمل أن تتوسع هجمات التنظيم الإرهابي في حال انفلات الأوضاع الأمنية لتطال الاستثمارات الصينية في باكستان.
وفي حال انفلات الأوضاع الأمنية في باكستان، من المحتمل أن ينفذ مقاتلو الإيغور هجمات ضد الصين في أفغانستان وباكستان، وأن يتسع نطاق نشاطهم الإرهابي ليشمل إقليم شينغيانغ ومناطق أخرى من الصين.
من الطبيعي أن تستغلّ كلّ من الولايات المتحدة الأميركية والهند التوترات بين إيران وباكستان لدعم المجموعات المسلحة والإرهابيين في باكستان وأفغانستان والقوى المعارضة في إيران، ودفعهم إلى القيام بتفجيرات وعمليات انتحارية ضد الاستثمارات الصينية، وإفشال مشروع الحزام والطريق الذي تعارضه كل من الهند والولايات المتحدة الأميركية اللذين أطلقا خلال قمة مجموعة العشرين التي عقدت العام الماضي في نيودلهي ممراً اقتصادياً منافساً لمشروع الحزام والطريق. لذلك، سارعت الصين إلى إعلان رغبتها في التوسط بين إيران وباكستان لعدم ترك الباب مفتوحاً أمام هذين البلدين لإشعال فتيل النزاع في المنطقة.
إنهاء الأزمة بين إيران وباكستان وتأكيدهما علاقات الأخوّة بينهما والاستعداد للعمل في جميع القضايا على أساس الثقة المتبادلة والتعاون قطع الطريق أمام الأطراف الخارجية للتدخل وتغذية النزاع، فلا باكستان ولا إيران ترغبان في التصعيد نظراً إلى الأوضاع الداخلية والخارجية التي يعانيانها وحرب غزة التي لا يلوح في الأفق أيّ حل لها.
وربما يكون للصين دور في التهدئة بعدما وجدت أن كلا الجانبين لا يرغب في التصعيد. ومن المحتمل أن يناقش نائب وزير الخارجية الصيني سون ويدونغ الذي يزور إسلام أباد حالياً لحضور الاجتماع الرابع لمجموعة العمل المشتركة للممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الأوضاع الأمنية بين إيران وباكستان.
المصدر : الميادين نت