القلعة نيوز:
شهد عام 2024 قفزة تاريخية في أسعار القهوة، حيث تصدرت هذه الحبوب السمراء قائمة السلع الأكثر جذباً للأنظار في أسواق المال، مع بلوغ العقود الآجلة لقهوة أرابيكا أعلى مستوياتها في أكثر من أربعة عقود، محققة ارتفاعاً مذهلاً قارب الـ 65 في المئة.
فوسط تراجع الإمدادات العالمية لحبوب القهوة، وخاصة من البرازيل التي تعاني من تبعات الجفاف، ارتفع سعر العقود الآجلة لقهوة أرابيكا التي تشكل ما بين 60 إلى 70 في المئة من سوق القهوة العالمية، من 1.96 دولار للرطل في بداية عام 2024 إلى نحو 3.25 دولار للرطل حالياً.
كما ارتفع سعر العقود الآجلة لقهوة روبوستا، المعروفة بكونها الخيار الأكثر ملاءمة للميزانية، بنحو 63 في المئة، وذلك من 3000 دولار للطن في بداية 2024 إلى نحو 4900 دولار للطن أو 2.4 دولار للرطل حالياً.
وفي الوقت الراهن تتزايد المخاوف المتعلقة بالاتجاه الذي ستسلكه أسعار القهوة في عام 2025، حيث من المتوقع أن تمدد ارتفاعاتها الهائلة في العام الجديد بسبب تراجع إمدادات حبوب قهوة أرابيكا من البرازيل، بعد فترة جفاف طويلة في 2024 ضربت المحاصيل في البلاد، تضاف إلى ذلك المخاوف المتعلقة بمحاصيل قهوة الروبوستا المنتجة في فيتنام، والتي تعرضت بدورها للجفاف خلال فترة النمو، وللأمطار الغزيرة خلال مرحلة الحصاد وهو ما أضر بها.
تراجع حاد في الانتاج
وشهدت مخزونات القهوة العالمية تراجعاً حاداً على مدار السنوات الأربع الماضية، نتيجة محاصيل مخيبة للآمال لدى كبار المنتجين، وبحسب شركة "فولكافيه" وهي واحدة من أكبر شركات تجارة القهوة في العالم،
فإن التوقعات لموسم 2025-2026 هي أسوأ من الموسم الحالي، حيث من المتوقع أن يصل إنتاج حبوب قهوة أرابيكا في البرازيل إلى 34.4 مليون كيس فقط، ما سيضع إنتاج القهوة العالمي على المسار الصحيح، لنقص في الطلب بمقدار 8.5 مليون كيس في الموسم المقبل، مما يمثل عاماً خامساً غير مسبوق من العجز في العرض.
وقالت "فولكافيه" إن خسارة محصول أرابيكا البرازيلي لعام 2025-2026 هي علامة حاسمة لتوقعات السوق، فالبرازيل هي المنتج الأساسي لهذا النوع من الحبوب في العالم، ومع النقص المتوقع لديها تكون أسعار القهوة حالياً أقل من الأسعار المستقبلية.
تحذيرات من استمرار الأزمة
وبحسب تقارير، فإن الارتفاع غير العادي في أسعار القهوة، التي تعتبر ثاني أكثر السلع تداولاً في العالم، بعد النفط الخام، يأتي وسط مخاوف بشأن محصول عام 2025 في البرازيل، حيث من المتوقع أن يؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى زيادة التكاليف على المستهلكين، مع تحذير بعض الخبراء من أن الارتفاع القياسي لأسعار القهوة لا يُظهر أي علامة على التباطؤ.
ويقول ديفيد أوكسلي، كبير خبراء المناخ والسلع في كابيتال إيكونوميكس، إن أسعار القهوة لن تتراجع، إلا عندما يتحسن العرض وتتجدد المخزونات، ولذلك، فإن سوء الأحوال الجوية في البرازيل يعني أن تراجع أسعار القهوة وتعافيها قد يستغرق سنوات وليس أشهراً.
اتجاهات أسعار القهوة في 2025
ويرى عبد الرحمن طافش المدير التنفيذي لـ"طافش كوفي إنترناشونال"، أنه بات من المؤكد أن صانعي القهوة، سيقومون بتمرير التكاليف الناتجة عن ارتفاع أسعار حبوب القهوة إلى المستهلكين، الذين يجب عليهم أن يتحضروا لرؤية أسعار أعلى خلال الأسابيع المقبلة تزيد ما بين 40 و 50 في المئة على أرفف المتاجر، مشيراً إلى أنه في الوقت الذي يعاني فيه إنتاج القهوة من نقص في المعروض، تشهد السوق طلباً متزايداً من الصين، التي أصبحت بسرعة واحدة من أسرع الأسواق نمواً في استهلاك هذا المشروب العالمي، فالطلب القوي في الصين برز كمفاجأة في بلد لطالما فضل شعبه استهلاك الشاي على القهوة.
ويكشف طافش أن الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، من العوامل الرئيسية المسببة لصعود أسعار حبوب القهوة في العالم، خصوصاً أن هذه الصناعة تعتمد على الإمدادات من مناطق قليلة نسبياً، بما في ذلك البرازيل وفيتنام اللتين تمثلان معاً ما يقرب من 56 في المئة من الإنتاج العالمي لحبوب القهوة، حيث تُصدّر البرازيل في الغالب حبوب أرابيكا الممتازة فيما تُصدّر فيتنام حبوب الروبوستا الأرخص، وهذا ما يجعل هذه السلعة المحبوبة عرضة بشكل خاص للعوامل الجوية السيئة، مشيراً إلى أن المخاوف من تأثر إمدادات حبوب القهوة لا تنحصر فقط بمحاصيل البرازيل وفيتنام بل تمتد لتشمل كولومبيا، التي تعد ثاني أكبر منتج لحبوب أرابيكا، إضافة إلى كوستاريكا وهندوراس، إذ تعاني جميع هذه الدول من تغييرات في المناخ تؤثر بشكل سلبي على محاصيل حبوب القهوة.
ويؤكد طافش أن البرازيل كان لديها القدرة على إعادة التوازن للعرض والطلب في سوق القهوة، على صعيد العالم، ولكن هذه الآمال تلاشت بعد أن أظهرت الجولات التي قام بها الخبراء على 1850 مزرعة بن هناك، أن الجفاف الذي ضرب البلاد من أبريل إلى سبتمبر 2024 كان له تأثير صارخ على أشجار البن ما أدى إلى استنفاد رطوبة التربة، وتسبب في تساقط أوراق الأشجار وفشل نمو الأزهار، وبالتالي فإن ذلك سيترك مصنّعي القهوة مع إمدادات ضيقة، وذلك حتى معرفة وضع المحصول التالي الذي يبدأ في شهر مايو 2025، ما يعني أن الأسواق ستشهد مزيداً من الارتفاعات في أسعار جميع منتجات القهوة إلى ذلك الحين.
هل تتراجع مبيعات القهوة؟
من جهته يستبعد أخصائي صناعة وتسويق المواد الغذائية وليد جبارة، تأثر مبيعات القهوة سلباً حتى في ظل ارتفاع أسعارها، فالعلاقة التي تربط المستهلكين بهذا المشروب تتجاوز مسألة السعر، حيث أن القهوة ليست مجرد سلعة عادية، بل هو طقس لا غنى عنه ولا يمكن تعويضه بسهولة، وهو ما يجعل التضحية بالكلفة الإضافية خياراً مقبولاً لكثيرين، مؤكداً أن بعض الشركات مثل نستله أعلنت مؤخراً أنها ستعمد إلى رفع أسعار منتجات القهوة لديها، بما في ذلك نسكافيه ونسبرسو وستجعل من عبوات هذه المنتجات أصغر حجماً للتخفيف من تأثير ارتفاع الأسعار.
ويرى جبارة أن الطلب على القهوة سيتعزز في السنوات المقبلة، بدعم من استمرار نمو عدد المستهلكين الصينيين لهذا المشروب، كاشفاً ان مُعدّل استهلاك الفرد الواحد للقهوة في الصين، يبلغ خمسة أكواب فقط في العام الواحد، بينما يصل في الولايات المتحدة إلى 400 كوب في السنة، وفي الدول الأوروبية مثل النرويج والسويد يتجاوز الـ 1000 كوب في السنة، وهذا يدل على أن السوق الصينية، تمتلك قدرات نمو كبيرة في ظل التغيّر في اتجاهات الجيل الشاب هناك، الذي بات أكثر ميولاً للقهوة بدلاً من الشاي، علماً أن التوقعات تشير إلى أن نسبة استهلاك القهوة في الصين، ستنمو بمعدل سنوي يبلغ 9.63 في المئة في 2025.
الحلول المتوفرة
ويعتقد جبارة أن حل أزمة ارتفاع أسعار حبوب القهوة، يتطلب خطوات متكاملة، منها توسيع زراعة القهوة إلى مناطق جديدة خارج نطاق الدول التقليدية في هذه الزراعة، إضافة إلى ضرورة الاستثمار في تقنيات زراعية متطورة، لتحسين الإنتاج ومواجهة التغيرات المناخية، مقترحاً أيضاً تشجيع زراعة أنواع من أشجار البن أكثر مقاومة للظروف المناخية الصعبة، مثل روبوستا، حيث أن هذه الجهود، إذا نُفذت بشكل فعال، يمكن أن تخفف من ارتفاع الأسعار وتضمن استدامة إنتاج القهوة، كمشروب أساسي على مستوى العالم.