القلعة نيوز:
المستشار الاعلامي / جميل القاضي
عودة الى تاريخ النشيد الرسمي لدولة الكيان الصهيوني والذي أُعتمد رسميا كنشيد وطني لما يسمى إسرائيل عام 2004 الا انه يستخدم منذ أواخر القرن التاسع عشر في الحركة الصهيونية مع العلم بأن كلماته مأخوذة من قصيدة كتبها الشاعر اليهودي الروماني نفتالي هيرتس إيمبر عام 1878 تتحدث فيه عن "الأمل” للعودة إلى "أرض صهيون” معبرا عن الحلم الصهيوني بإقامة وطن قومي لليهود في أرض فلسطين ، وهو مستوحى من روايات التوراة والتقاليد اليهودية التي تشير إلى أرض فلسطين بوصفها " ارض الميعاد " ولحنه مستوحى من أغانٍ شعبية أوروبية، رومانية وبولندية، مما يعكس أصول الحركة الصهيونية التي انطلقت من اوروبا .
هذا النشيد يعبر تماما عن الفكر الصهيوني في احلامه التوسعية في المنطقه خصوصا في بلاد الشام كهدف تاريخي واستراتيجي
فمنذ قيام ما يسمى بدولة إسرائيل عام 1948، لم يكن المشروع الصهيوني مجرد محاولة لإقامة وطن لليهود في فلسطين فقط، بل كان يتضمن طموحات جغرافية وسياسية أوسع في منطقة الشرق الأوسط. هذه الطموحات، التي يمكن وصفها بالتوسعية، استندت إلى مزيج من الأيديولوجيا الصهيونية، ذات الأهداف الاستراتيجية، والرؤى الجيوسياسية التي تحاول إعادة تشكيل خريطة المنطقة بما يخدم المصالح الإسرائيلية مستندة الى الدعم التام من الغرب الاستعماري والدعم الامريكي اللامتناهي .
اذا امعنا النظر الى الخلفية الأيديولوجية نجد ان جذور الطموحات التوسعية لإسرائيل تعود إلى الفكر الصهيوني المبكر، وخاصة أفكار تيودور هرتزل وأتباعه، الذين حلموا بإنشاء "إسرائيل الكبرى”. وفقا لبعض التفسيرات، تمتد هذه الرؤية من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في العراق، مستندة إلى نصوص توراتية تُستخدم لتبرير هذه الطموحات ورغم أن هذه الرؤية قد لا تكون سياسة رسمية معلنة، إلا أنها تشكل أحد المرتكزات الفكرية لبعض التيارات السياسية داخل إسرائيل.
فاحلام التوسع في بلاد الشام، بما فيها الأردن، سوريا، لبنان، وفلسطين، كانت دائما محورا رئيسيا للطموحات الإسرائيليه فقد كانت هناك محاولات مبكرة لضم أجزاء من شرق الأردن، حيث اعتبر بعض الصهاينة أن الضفة الشرقية لنهر الأردن جزء من "أرض إسرائيل”. ومع أن معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل عام 1994 خففت من حدة هذه المطامع، إلا أن هناك أصواتا في السياسة الإسرائيلية لا تزال تروج لفكرة اعتبار الأردن "الوطن البديل” للفلسطينيين ، وهاهو نيتنياهو يعلق قبل ايام خريطة تثبت ما في اذهان اليمن المتطرف تجاه هذا الحمى العربي الهاشمي وتجاه المنطقة ، وكذلك الامر بالنسبة لسوريا ، فمنذ احتلت إسرائيل هضبة الجولان عام 1967 ، وفرضت سيطرتها عليها بشكل كامل عام 1981 ، تُعد الجولان منطقة استراتيجية بسبب موقعها المرتفع ومواردها المائية، مما يجعلها هدفا للطموحات التوسعية وتحاول الان التمدد في الاراضي السورية مستغلة الاحداث الاخيرة فيها بحجة الامن القومي الاسرائيلي ، اما لبنان فقد
تدخلت إسرائيل عدة مرات، أبرزها خلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 ، وكان الهدف المعلن القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، لكن الطموحات كانت تتجاوز ذلك لتشمل السيطرة على جنوب لبنان، وحتى دعم فكرة إنشاء حزام أمني يخضع لنفوذ إسرائيلي اخرها ما يجري هذه الايام بعد الحرب الاخيرة ، اما بالنسبة لمصر وبالرغم من توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، إلا أن شبه جزيرة سيناء كانت دائمًا محل اهتمام استراتيجي لإسرائيل حيث احتلتها خلال حربي 1956 و1967، واعتبرتها منطقة حيوية لتأمين حدودها الجنوبية ، ومع أن سيناء أُعيدت إلى مصر بعد اتفاقية كامب ديفيد، إلا أن الأوضاع الأمنية في المنطقة تظل محل اهتمام دائم لإسرائيل، حيث تنظر إليها كمنطقة عازلة يمكن أن تؤثر على أمنها القومي.
وهذا يقودنا الى محاولة فهم استراتيجيات التوسع ، فاسرائيل تسعى إلى تعزيز الانقسامات الطائفية والعرقية داخل الدول العربية، بما يخدم مصلحتها في إضعاف هذه الدول ومنع تكوين أي قوة إقليمية موحدة تهدد وجودها.
كما تقوم بدعم الحركات الانفصالية في المنطقة، مثل دعم أكراد العراق أو المليشيات في جنوب السودان قبل استقلالها، بهدف تفتيت المنطقة إلى كيانات ضعيفة وغير قادرة على تحدي إسرائيل، وتحاول اللعب الان على الوضع القائم في سوريا
كما تعمل على فرض الهيمنة الاقتصادية على المنطقة من خلال اتفاقيات التجارة والطاقة، مثل مشروع نقل الغاز الإسرائيلي إلى دول عربية وأوروبية عبر الأراضي العربية .
واخيرا ، ان أحلام إسرائيل التوسعية ليست مجرد أفكار نظرية، بل انعكست في سياساتها العسكرية، الاقتصادية، والدبلوماسية. ورغم توقيعها اتفاقيات سلام مع بعض الدول العربية، إلا أن سياساتها على الأرض تظهر استمرارها في محاولة تحقيق مصالحها على حساب استقرار المنطقة ووحدتها ولمواجهة هذه الطموحات بتطلب من الدول العربية تعزيز التعاون الإقليمي، وتحقيق التنمية الداخلية التي تمنع استغلال إسرائيل لنقاط الضعف في العالم العربي.
والايمان المطلق بانها دولة مارقة وطارئة ، وان الامة العربية امة ولادة ، وامة لا تموت .