
الدكتورة مرام بني مصطفى / استشارية نفسية وتربوية
*يوم لتكريم المرأة ونضالها المستمر
يُحتفل بيوم المرأة العالمي في الثامن من مارس من كل عام، وهو ليس مجرد مناسبة للاحتفاء بإنجازات المرأة في مختلف المجالات، بل هو أيضًا فرصة لإعادة تسليط الضوء على التحديات التي تواجهها في سبيل تحقيق المساواة الكاملة في الحقوق والفرص. يعد هذا اليوم تذكيرًا بالنضالات الطويلة التي خاضتها النساء عبر العصور من أجل الحصول على حقوقهن الأساسية، وعلى رأسها حق التعليم، العمل، والمشاركة السياسية.
لقد بدأت فكرة الاحتفال بيوم المرأة العالمي منذ أوائل القرن العشرين، عندما نظمت النساء احتجاجات ضد الظلم الاجتماعي والتمييز في بيئات العمل، مطالبات بحقوقهن في التصويت والمساواة في الأجور وظروف العمل. ومنذ ذلك الحين، أصبح يوم المرأة العالمي مناسبة عالمية لتعزيز دور المرأة في المجتمع ومناقشة القضايا التي لا تزال تشكل عوائق أمام تقدمها.
تعد المشاركة السياسية من أهم الحقوق التي تسعى النساء حول العالم إلى تعزيزها، حيث تمثل حجر الزاوية في عملية تحقيق المساواة وتمكين المرأة من لعب دور مؤثر في صناعة القرار. ورغم التقدم الذي أحرزته العديد من الدول في هذا المجال، لا تزال المرأة تواجه تحديات عديدة، أبرزها التمييز المجتمعي والقوانين المقيدة وعدم تكافؤ الفرص في تولي المناصب القيادية.
لم يكن للمرأة الحق في المشاركة السياسية لعقود طويلة، حيث حرمت من التصويت والترشح للمناصب العامة في معظم دول العالم. ومع ذلك، شهد القرن العشرين تحولات جوهرية، حيث بدأت بعض الدول بمنح المرأة حقوقها السياسية تدريجيًا. فعلى سبيل المثال، حصلت النساء في نيوزيلندا على حق التصويت عام 1893، تلتها دول أخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا. وفي العديد من الدول العربية، تأخرت هذه الحقوق إلى النصف الثاني من القرن العشرين، حيث مُنحت المرأة حق التصويت والترشح في بعض الدول خلال الستينيات والسبعينيات.
في الأردن، كان لجلالة الملك عبدالله الثاني وجلالة الملكة رانيا العبدالله دور محوري في تعزيز مكانة المرأة وتمكينها سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا. فقد أكد مرارًا وتكرارًا على أهمية إشراك المرأة في الحياة السياسية ودعمها للوصول إلى مواقع صنع القرار. وقد تُرجمت هذه الرؤية إلى خطوات فعلية، حيث شهدت السنوات الماضية إصلاحات قانونية وتشريعية تهدف إلى تعزيز دور المرأة وزيادة تمثيلها في المجالس المنتخبة والمناصب القيادية.
أن تمكين المرأة هو جزء أساسي من عملية الإصلاح والتحديث في الأردن، وأن المرأة الأردنية أثبتت قدرتها على القيادة والمساهمة الفاعلة في تنمية المجتمع. وقد جاء ذلك واضحًا في العديد من المناسبات الرسمية والخطابات الملكية التي ركزت على ضرورة دعم المرأة وإزالة العوائق التي تحول دون مشاركتها الفاعلة.
ومن بين أبرز الإنجازات التي تحققت بدعم مباشر من جلالة الملك، تخصيص "كوتا” للمرأة في البرلمان والمجالس البلدية، ما ساهم في رفع نسبة تمثيلها في الحياة السياسية. كما تم تعزيز وجود المرأة في مواقع صنع القرار من خلال تعيين نساء في مناصب وزارية وإدارية عليا، مما يعكس التزام القيادة السياسية بتحقيق المساواة بين الجنسين.
رغم هذه الإنجازات، لا تزال المرأة تواجه تحديات في الوصول إلى المناصب العليا، حيث تشير الإحصاءات إلى أن نسبة النساء في البرلمانات العالمية لا تزال أقل من 30%، مما يدل على الحاجة لمزيد من الجهود لضمان تكافؤ الفرص.
وفي الأردن، وعلى الرغم من التقدم الملحوظ، لا تزال هناك تحديات تحتاج إلى معالجة، مثل بعض المعوقات الثقافية والاجتماعية التي تحد من مشاركة المرأة الكاملة في الحياة السياسية. وهنا يأتي دور الحكومة والمجتمع المدني في توفير بيئة داعمة تُشجع المرأة على خوض غمار العمل السياسي دون عوائق.
لا يمكن تحقيق تقدم حقيقي في مشاركة المرأة السياسية دون دعم مجتمعي شامل. فالتغيير لا يقتصر على تعديل القوانين والسياسات، بل يجب أن يمتد ليشمل تغيير العقليات والنظرة المجتمعية لدور المرأة في القيادة.
يُعد يوم المرأة العالمي فرصة للتفكير في الإنجازات التي تحققت، لكنه أيضًا تذكير بأن الطريق نحو المساواة الكاملة لا يزال طويلًا. إن تمكين المرأة سياسيًا ليس مجرد حق من حقوقها، بل هو ضرورة لتحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. فالمجتمعات التي تمنح النساء فرصًا متساوية في القيادة وصنع القرار هي مجتمعات أكثر استقرارًا وازدهارًا.