(هناك شعوب تطالب بالسلام العادل، وهناك حكومات تماطل من أجل الإبقاء على الأوضاع الحالية دون حلول جذرية تنهي الصراع الطويل، إذ يبدو أن المصالح أقوى بكثير من الحقوق المشروعة للشعوب.)
القلعه نيوز - كتب تحسين التل:-
أذكر أنني قبل سنوات؛ دُعيت من قبل جمعية أصدقاء الأرض - الشرق الأوسط، لحضور مؤتمرهم السنوي في البحر الميت - فندق كراون بلازا، وكان المؤتمر يضم؛ فرع الأردن من جمعية أصدقاء الأرض - إيكوبيس، ومقره في عمان، وفرع فلسطين ومقره في رام الله، وفرع إسرائيل ومقره في تل أبيب، وكان جدول أعمال المؤتمر يتمحور حول المياه، وتقسيمها بين الدول الثلاث.
انعقد المؤتمر تحت رعاية الإتحاد الأوروبي، وبحضور عدد من السفراء والشخصيات السياسية، والبرلمانية الأردنية، والعربية، والدولية، باعتبار أن موضوع المياه؛ كان، ولا زال، يشكل الجزء المهم، والرئيسي لعملية تقسيم مياه نهر الأردن من قبل الدول المشاطئة للنهر، وقد ضم المؤتمر أيضاً، عدداً من أساتذة الجامعات اليهود.
بعد أن انتهت الجلسة الصباحية، ذهبنا لتناول طعام الغداء، فجلس الى جانبي البروفيسور اليهودي حيزي جيلدر، وهو أستاذ في جامعة القدس - معهد علوم الأرض، وخلال الغداء؛ وجه لي عدة أسئلة، كان من بينها؛ لماذا تكرهون اليهود، فقلت له، إرجع الى عام (1948) وعام (1967)، وما تلاها من أحداث، كيف اغتصبتم الأرض، والمياه، والثروات، ورفضتم تطبيق قرارات الشرعية الدولية الصادرة عن مجلس الأمن (242 و 338)، إذ قمتم بتحويل القرارات الى مفاوضات عبثية، وورشات عمل الهدف منها تطبيعي، وفي نهاية المطاف جعلتم من السلام مجرد أحلام مزعجة، والواقع يؤكد على أنكم أبعد بكثير عن تحقيق أي شيء يقبل به العرب، وعلى هذا الأساس نحن نكره تصرفات اليهود.
قال لي؛ إنها القيادات السياسية التي تحرك عملية السلام، وتتلاعب وفق موازين القوى، ولا شأن لليهود فيما يجري من أحداث، وهناك آلاف اليهود يرغبون بإقامة سلام عادل وشامل ترضى به كل دول المنطقة.
قلت له؛ هل القيادات اليهودية التي تتحكم في السلم والحرب؛ نزلت من كوكب آخر غير كوكب الأرض.
أكدت له أن سياسة اليهود بشكل عام معادية للعرب، ولا ترغب إسرائيل بأن تتنازل عن أي متر من الأرض المحتلة، وفق مبدأ حكم القوي للضعيف، لكن دوام الحال من المحال...
أذكر أنه في إحدى الورشات التي انعقدت على مدار ثلاثة أيام، كانت تجلس الى جانبي امرأة يهودية من القدس الغربية، تدعى الدكتورة هيلين روماني، وعلى الطاولة نفسها يجلس الى يساري موظف كبير من الإتحاد الأوروبي؛ وكانت لي مداخلة مهمة، تحدثت فيها بشكل مختصر، وقلت:
لماذا لا يضغط العالم على إسرائيل من أجل إجبارها على إنهاء الإحتلال، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وإنهاء حالة الفوضى التي تعيشها منطقتنا العربية، ألم تقتنع إسرائيل بالدماء التي أريقت دون طائل، ألا يمكننا أن نستبدل الدماء بالماء، وهنا ضجت القاعة بالتصفيق من قبل الجميع حتى أن الدكتورة اليهودية صفقت لي بشكل استثنائي، وأثنت على كلمتي، وقالت لي هذه الجملة من أجمل ما سمعت في حياتي: الماء بدل الدماء.
هناك شعوب تطالب بالسلام العادل، وهناك حكومات تماطل من أجل الإبقاء على الأوضاع الحالية دون حلول جذرية تنهي الصراع الطويل، إذ يبدو أن المصالح أقوى بكثير من الحقوق المشروعة للشعوب.