قبل البدء، يجب أن نعطي لمحة سريعة عن الشعر العربي، والشعر من وجهة نظري؛ هو شكل من أشكال الفن والأدب، وتعبير إنساني يتصف بالكلام الموزون، ويعتمد على تفعيلة محددة، وقافية، ويستخدم الصور الشعرية؛ ليمنح القصيدة شكلاً جميلاً يشبه اللوحة الجميلة المعبرة.
الشعر أيضاً؛ تعبير إنساني، عاطفي، فيه الكثير من الإحاسيس، والرمزية، وعمق المعاني في الكلمات، والمترادفات، والتشبيهات، يعبر فيه الشاعر عن مشاعره، وأعماق ما يؤمن به من قضايا مجتمعية، أو عاطفية، أو سياسية، وقد أكد علماء الكلام، والشعر، والأدب العربي على أن أي كلام فيه نوع من الموسيقى؛ يطرب له العقل، ويرق له القلب عند سماعه، يمكن أن يكون شعراً.
جاءت هذه المقدمة تمهيداً للحديث عن بعض القصائد الدخيلة على ثقافتنا، وأدبنا العربي، وما يحتوي عليه من قصائد مشوهة؛ اعتبرها البعض من الأشعار المعقدة، وقد برع كتابها في كتابتها، وصار بعض (الغشماء) في الشعر يتنافسون فيما بينهم لحفظها، وترديدها في المجالس، وكأنها من أمهات الشعر والأدب العربي.
تركيزي اليوم على واحدة من (القصائد!) المعقدة التي ليس لكلامها معنى، وأعتذر عن وصفي لها بالقصيدة لكن ما باليد حيلة، إنها للشاعر: الليث بن فأر الغضنفري، وفي روايات مضحكة أخرى: أسد بن فأر الأسدي...؟
تبدأ وتنتهي بكلمات غير مفهومة، ومعقدة، وليس لها معنى في قاموس المفردات والمصطلحات العربية، وكنت بحثت في مختار الصحاح، فلم يعطيني معنى واحد لبعض الكلمات غير المفهومة، وجاء التخبيص على الشكل التالي:
ومدعشر بالقحطلين تحشرمت وتلعثمت شرفتاه فخر كالبعبل
تدفق في البطحاء بعد تبهطلِ وقعقع في البيداء غير مزركلِ
وسار بأركان العقيش مقرنصاً وهام بكل القارطات بشنكـلِ
يقول وما بال البحاط مقرطماً ويسعى دواماً بين هك وهنكلِ
إذا أقبل البعراط طاح بهمةٍ وإن أقرط المطحوش ناء بكلكلِ
يكاد على فرط الحطيف يبقبق ويضرب بين الحماط وكندلِ
أيها المفغوش لست بقاعدٍ ولا أنت في كل البحيص بطنبلِ
طبعاً مثلما ليس للقصيدة معنى؛ أيضاً لا يوجد في التاريخ العربي عربياً شاعراً يسمى أسد بن فأر، أو ليث بن فأر الأسدي، لأنه من غير المنطقي أن يسمي الأسد ابنه فأراً، ولا الفأر يسمي ابنه أسداً وهو أقل الناس شأناً إذا كان فأراً...
أتمنى على قراء الأدب العربي، وبالذات عشاق الشعر العربي أن ينتبهوا الى ضرورة التمييز بين القصائد الموزونة والمعقدة والتي تستحق القراءة والحفظ، وبين الكلمات المصفوفة على هيئة أبيات شعرية، ويطلقون عليها قصائد وهي بعيدة كل البعد حتى عن العامية الركيكة.
هذه، وغيرها من (القصائد)؟! بحثت عن أصلها فلم أجد لها أصلاً ولا فرعاً في تاريخ الأدب والشعر العربي، لكنها منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، انتشار النار في الهشيم، بل ويتنافسون على حفظها، وشرح كلماتها وفقاً (لتياسته) وقلة عقله، للأسف الشديد.