القلعة نيوز :
د. حاتم الجازي
أثبتت التجربة التاريخية للمجتمعات السياسية أن السلطة لا يمكن أن تمارس بواسطة الجميع، وإن المجتمعات البشرية مهما بلغت حداثتها أو تقليديتها أو كبر حجمها أو صغر تنقسم إلى فئتين: أقلية حاكمة، وأكثرية محكومة. تمتلك الأولى من الأسباب والتنظيم ما يمكنها من اتخاذ القرارات نيابة عن المجتمع، أما الثانية فهي كثيرة العدد غير منظمة تقوم بتنفيذ القرارات التي تتخذها الأقلية.
ومنذ تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921 لعبت النخب على اختلاف أنواعها دوراً مهماً في الحياة السياسية الأردنية وحتى وقتنا الحاضر.
النخبة الحاكمة في النظام السياسي الأردني تطلق على تلك الجماعة القيادية التي توجد على قمة الهرم في النظام السياسي الأردني، ويلعب الملك فيها دوراً مركزياً بوصفة رئيس السلطات الثلاث وذلك بموجب أحكام الدستور، تعاونه جماعة تمارس وظائف السياسة العليا، تمكنها مواقعها من احتكار القوة والامتيازات، والدخول إلى عضويتها يعتمد على مصادر محددة وضيقة.
تلعب السلطة التنفيذية والتي يرأسها الملك دوراً محورياً في النظام السياسي الأردني، مما أوجد تسلسل هرمي سلطوي للنفوذ، الأمر الذي أثر شكل النخبة ونزوعها نحو السلطوية والفردية.
ومع تولي الملك عبد الله الثاني مقاليد الحكم دخل الأردن مرحلة جديدة من التطور والانفتاح، حيث مهد ذلك لبروز نخب سياسية جديدة وصغيرة في السن، إلى جانب النخب التقليدية من عهد الملك الراحل الحسين بن طلال. وقد عملت تلك النخب بتناغم مستمر، مشكلة دائرة نخبوية ضيقة ذات تأثير ونفوذ شديدين، امتازت بالتماسك ومحدودية الدوائر المؤثرة فيها وذلك بسبب ضعف قنوات المشاركة السياسية كالأحزاب وجماعات الضغط.
وتتعدد قنوات التجنيد السياسي في الأردن، حيث تلعب المؤسسات الرسمية وغير الرسمية دوراً بارزاً كأحد قنوات التجنيد السياسي التي يأتي منها أعضاء النخبة السياسية. وتقسم إلى نوعين من الدوائر: دوائر مغلقة تعتمد على التعيين من أعلى (كالديوان الملكي، مجلس الوزراء، مجلس الأعيان، المؤسسة الأمنية والعسكرية)، إما النوع الثاني فهي الدوائر المفتوحة (مجلس النواب، الأحزاب السياسية، النقابات المهنية، وأصحاب الرأي المؤثرين كالشيوخ والوجهاء) وتعتمد التعيين من أسفل.
تتبع عملية الإصلاح السياسي في الأردن كغيرها من دول العالم الثالث لنمط الإصلاح من أعلى، أي أن جميع الخطوات الإصلاحية جاءت بمبادرات ملكية، ففي عام 1989 عندما تعرض النظام السياسي الأردني لأزمات اقتصادية وسياسية خانقة، أصدرت النخبة الحاكمة قرارها باستئناف الحياة الحياة البرلمانية وإلغاء الأحكام العرفية. وفي عام 2011 قررت النخبة الحاكمة إجراء مزيد من الإصلاحات السياسية وذلك تحت وطأة عوامل داخلية وخارجية.
كذلك قدم الملك رؤيته الإصلاحية الشاملة من خلال الأوراق النقاشية السبعة التي أطلقها منذ عام 2012، والتي أكد فيها على أهمية تحفيز الحوار الوطني حول مسيرة الإصلاح والتحول الديموقراطي، وتعزيز المشاركة السياسية في صنع القرار.
وبمبادرة جديدة من الملك عبد الله الثاني شكلت لجنة ملكية لتحديث المنظومة السياسية في الأردن وذلك بتاريخ 10/ حزيران/ 2021، حيث عهد للجنة بمراجعة النظم الانتخابية والحزبية وما يتطلب ذلك من تعديلات قانونية ودستورية، وتقديم توصياتها بهذا الخصوص.
إن النخبة الأردنية الحاكمة تلعب دوراً محورياً في الإصلاح السياسي، ويتربع الملك عبد الله الثاني على رأس تلك النخبة على أساس أن المؤسسة الملكية هي وحدة الحكم الأولى، وذلك بموجب أحكام الدستور الأردني.
أدى ضعف التمثيل الحزبي الفاعل عن البرلمانات المتعاقبة إلى منع تشكل كتل برلمانية مستقرة تعمل على تأسيس حياة سياسية تنافسية تعمل وفق نظام برامجي تنافسي. فالحزب السياسي هو مشروع برامجي سياسي يعبر عن قوى اجتماعية متعددة ومتنوعة، وهو أحد أهم قنوات التجنيد السياسي من خلال انتقاء الأفراد الذين سيشغلون مواقع مهمة في السلطة.
لقد أدى ضعف التمثيل الحزبي إلى غياب البرامج الإصلاحية التي قد تتبناها الأحزاب السياسية، وكون النظام السياسي الأردني ديناميكي كغيره من الأنظمة السياسية، لا بد من وجود مؤسسة تملأ الفراغ لمواجهة الحاجيات والمطالب المطروحة عليه من البيئة المحيطة به، ومن هنا لعبت المؤسسة الملكية دوراً كبيراً في الإصلاح السياسي على أساس أن المؤسسة الملكية هي وحدة الحكم الأولى.