المهندس سمير الحباشنة
-1-
يبدو أن الصهاينة لا يعلمون بأن العِرض هو صنوان الأرض عند العرب، فتلك الثنائية تمثل معنى الكرامة والشرف، فلا كرامة لعربي فرط بالأرض، ولا شرف له إن فرط بالعِرض …
-2-
في لواء الكرك، والذي كان جزءاً من الامبراطورية العثمانية، قامت عام 1910 ثورة الكرك المعروفة بـ "الهيّة”. وثورة الكرك تلك كانت واحدة من الشرارات الأولى التي شكلت مقدمة لثورة العرب على الأتراك طلباً للحرية، وذلك حين تخلت تركيا عن روح الخلافة الإسلامية وتحولت إلى دولة عنصرية، تحاول بالإكراه والقوة المفرطة إخضاع العرب وتتريكهم.
والذي لا يعلمه كثيرون، إن من الأسباب المباشرة لتلك الثورة / الهيّة، هو قيام الجنود الأتراك وخلال تفتيش البيوت في اللواء -بحثاً عن الشباب لأخذهم للتجنيد الإجباري”سفر برلك”- بفعل بشع تمثل بالتحرش بالنساء الكركيات، والتلفظ بعبارات تخدش الحياء..وتلك الحادثة تم تناقلها بين الناس مثل النار في الهشيم، بكل القرى والبلدات والبوادي في الكرك وما حولها وصولاً الى قبيلة بني صخر والطفيلة وعشائر بني عطية والحجايا وكل العشائر البدوية المحيطة في الكرك. فقامت الناس قومة رجل واحد، وذُبح مئات الجنود الأتراك وأُحرقت كل المؤسسات الحكومية في اللواء، ما دفع تركيا إلى إرسال تركيا لقوة عسكرية ضخمة ذات صبغة انتقامية، قامت بحرق المدينة، وسقط خلال الحملة مئات الشهداء، وتم إعدام قادة الثورة في على مشانق نُصبت في دمشق والكرك، حيث انسفح كل هذا الدم الزكي انتصاراً لعِرض الحرائر..فالدم عند العرب يصبح رخيصاً حين يتعلق الامر بالعِرض.
فكانت الهيّة أو الثورة العظيمة، حدثاً بطولياً وشاهداً حياً على مكانة العِرض في ضمير العرب وثقافتهم، مكانة لا يوازيها سوى مكانة الارض (الوطن) عندهم.
-3-
في بداية الستينات كانت أسرتنا تقطن مدينة الخليل الفلسطينية، حيث كان والدي رحمه الله من مسؤولي الأمن العام في محافظة الخليل، وقد سمعت من الوالد عن حادثة ذات دلاله للمقام الذي اتناوله في هذه السطور، أن شاباً ركب في حافلة متوجهة من واحدة من قرى الخليل إلى المدينة، وقد جلس الى جانب طالبة تقصد المدرسة في مدينة الخليل، حيث لم تكن المدارس الإعدادية أو الثانوية متوفرة إلا في المدن.
حاول الشاب الاقتراب من تلك الطالبة محاولاً ملامسة جسدها، وكانت تبتعد عنه وهو مصر على الاقتراب منها حتى بكت، انتبه راكبو الحافلة إلى بكاء تلك الفتاة اليافعة.
فهل تعلمون ما جرى؟ !
إن فعلة الشاب الشائنة تلك، قد تم تصنيفها بالقانون العشائري كقضية بمصاف جريمة القتل العمد، بل أقرها القانون العشائري جريمة قتل عمد مقترن بالتمثيل بالجثة! فتحولت القضية إلى قاضي (منقّع الدم) وهو أعلى مستوى قضائي عشائري، والمخول أن يقضي بالحكم على المجرم بالقتل.
وكما يقول الوالد، فإن تلك المسألة لم تُحل إلا بجاهات وصلحات وسِفارات عشائرية، أخذت مداها الزمني، ودفع أهل الشاب الكثير من المال، أملاً في إنقاذ رقبة ابنهم من عقوبة القتل.
-4-
وبعد..فإن إيرادي هذين المثلين من الاف الامثلة التي تبين أهمية العِرض تاريخياً عند العرب، لأضع إشارة إرشادية لجيش الاحتلال الصهيوني، بأنكم بأفعالكم هذه اوصلتم العداء إلى أقصى مدياته، بعدما عبثتم بعِرض حرائر الخليل، تمتهنون بذلك الكرامة والشرف وعنوانهما الأرض والعِرض.
وإن لهذه الأفعال الشائنة ثمناً غالياً…وإن غداً لناظره قريب