شريط الأخبار
"النواب" يُشكل لجنة مؤقتة لتعديل النظام الداخلي الحنيفات: تخصيص 180 ألف دونم لزراعة البنجر السكري الوزير الرواشدة يشارك دار الضيافة للمسنين جمعية الأسرة البيضاء افطارهم الرمضاني بوتين يعلن الموافقة على جميع المقترحات لإنهاء الحرب مع أوكرانيا كريشان : إدارية الأعيان ماضية في دورها الرقابي والتشريعي الرواشدة: مهرجان جرش عنوان للثقافية الوطنية والعالمية الحباشنة يكتب : الى الرئيس أحمد الشرع: سوريا تحتاج إلى كل أبنائها.. التنوع والوئام.. نقيض الأسباب والكراهية العيسوي يلتقي فعاليات شعبية وطبية مجلس الإدارة هو مَنْ يرفع تقاريره للحكومة ومجلس الأمّة محللون: اتهامات السلطة لـ"حماس" تعكس أزمة شرعية وتآكل في الدور السياسي 899 مليون دينار حوالات عبر المحافظ الإلكترونية منذ بداية العام الحالي 5 مليارات يورو عائدات تذاكر الدوري الألماني الموسم الماضي طقس دافئ بمعظم المناطق خلال الأيام المقبلة مصدران: روسيا تضع شروطا أمام واشنطن للموافقة على اتفاق ينهي حرب أوكرانيا نيويورك تايمز: الانهيار العظيم لأميركا يمضي على قدم وساق ريال مدريد يعبر للدور ربع النهائي بدوري أبطال أوروبا بفوزه على أتلتيكو مدريد الملكة رانيا خلال إفطار للشباب: قيمنا الإنسانية رأس مالنا ويجب الحفاظ عليها بقدر سعينا للتطور الملك ينعم على المرحوم الباشا نصوح محي الدين بميدالية اليوبيل الفضي وزير الداخلية: لن نسمح لأيّ كان بالمساس بالنسيج الوطني وفد من الجامعة الهاشمية يزور مدينة الأمير محمد للشباب تمهيداً لتشاركية وتعاون مرتقب

الإعلام بين ملامح العبارة وترويض العبارة

الإعلام بين ملامح العبارة وترويض العبارة

د. حسان فلحة

‎المفردة هي أصغر وحدة لغوية


تحمل المعنى لتعبر عن المدلول إليه من فهم لفكرة تعرّف عنه أو على تضاده (ضده)، سياقًا أو اشتقاقًا.

‎إلّا أنّ اللغة تَحِن لتواتر المفردات شائعة الاستخدام حتّى لو غايرت في دقة المعنى، وتتيح في سياق الكلام النزول عند رغبة الألفة، لا ندرة الاستعمال حتى لو توافقت الدلالة بين المفردتين على البيان ذاته.

‎المفردة المتجسّدة في صوغ الكلمة المكتوبة أو المقروءة أو المسموعة هي كامنة في قلب المعنى.

إلا أن الخطاب الإعلاميّ يستهون استخدام دقّة المعنى في سياق تناول المفردة فتأتي طافيةً إلى العلن على محمل السياسة المرتجلة فتروضها عرفًا دائم الصيرورة حتى تخلد إلى عمق الفكر كمسلّمة لا مساس بحرمة المعنى المستخدم، لا المقصود من التعبير واللفظ.
‎إن دقة المعنى هي إتقانه وإجادته وفق ضبط حاذق لا يحتمل التأويل أو الغموض، أي أن دقّة التعبير تستوجب اختيار اللفظ المناسب لأداء المعنى الواضح والمنطوي عليه، أي انتقاء ما يبرزه في ذاته من دون الترادف بين المفردات الذي هو بلا لبس تفاوت في دقة المعنى.

‎الانتقاء العبثي لملامح العبارة يبعث على الغموض وجدلية القصد

ويسف من رتبة الكلمة في الوقع والاداء ، عندها ليس الغرض حاضرا في جلاء الحقيقة بقدر توهان المعنى على تقلب الاوجه ، الذي قد تطليه المفردة المتذبذبة بضبابية موصوفة حتى يغرق القارىء في ظلال القصد لا بالقصد ذاته .

المفردات العربية اثْرت اللغة بسعة المخزون الثقافي و مدارك المعرفة وفاضت الى اللغات الاخرى ، الا ان ذلك اشترط القوة والدربة والقدرة في التنافس مع اللغات الاخرى من خلال الفتح والسيطرة والتمدد العمراني.

‎ان المفردة الاكثر شيوعا في الاعلام العربي اليوم في سياق الصراع "العربي " -الاسرائيلي ، هي كلمة التطبيع التي تنم عن ادارك ساذج لدى البعض ، وعن امعان في قصد المعنى لدى البعض الاخر. ان التطبيع normalization هو جعل الشىء يعود الى طبيعته ، وهو ليس بذلك بل هو احالة الامر الشاذ الى كونه طبيعيا

فاستخدام هذه العبارة يدخل في سياق مغاير للحقيقة ومن باب ترويض المعنى وتعميم استخدامه .

‎لقد أزمن الإعلام العربيّ بمعظمه على استخدام مفردات بعيدة عن المقصود في الدلالة اللغويّة وتنطوي على تشاوفٍ أعمى، متفلّت الضبط ، فيعطي في عمقه مردودًا آخر مثل استخدام كلمتي "مستوطنة" أو "مستوطن"، وكأنّ في ذلك إجازةً شرعيّة لأن يكونا وطنا أو مواطنا، لأرض بلا شعب، وهي مُحْتلّة وهو محتلّ على وجه الفعل وواقعه، أو عند إطلاق مفردتي "مستعمرة" أو "مستعمر" وكأنّه أضحى عمارة أو عمّارًا لأرض يباب أو سليخ، إن حسن النيّة لا يبرّر استخدام هذه المفردات، التى لا يقلّها وقعًا استخدام عبارة "صهيوني" أو يهودي وهي ذات خدمة النعت عندما يُشّبه المنعوت بالشيعيّ أو السنيّ أو المسيحيّ، لا ضير عنده في أن تُطْلِقَ عليه نعت دينه أو طائفته أو مذهبه؛ فهو اسرائيليّ وصهيونيّ الهويّة والهوى، ووقع نعتهما يؤدّي الغرض لما يصبوان إليه في صميم اعتقادهما.

لقد وُصّف أصحاب هذا الخطاب بأنهم أركان اللغة الخشبية، وهو وصف خبيث غالبا يعمد إليه بعض من جماعة منبت الانتماء "الخارجيّ" والتعالي في الولاء للغة الوافدة من الإعلام وكأن انتقاصًا بنيويًا يلمّ بمن يستخدم المفردة الدقيقة في المبنى والمعنى عند استخدام كلمة الاحتلال أو كلمة العدوّ على مآل رتيبٍ في الصياغة أو منوال عتيقٍ في اللفظ أو طراز قديمٍ في الكتابة أو أن عقما لغويا، يتهجد بعبارات ذات صياغة "لا تواكب العصر "أو أن اللغة المستخدمة لا روح فيها مثل الخشب. إن السبب الدافع للركون إلى هذا التنظير هو حال الانهزام التى اجتاحت الإعلام العربيّ بمعظمه بعد حال الانكسار الناتجة عن هزيمة حرب العام ١٩٦٧، ودفعته إلى التشبّه بصيغ الإعلام الغربي المبنية على دقة التعابير المسبوقة بالضوابط ، الخادمة لسياسات مؤسساته، البسيطة التعبير، العميقة المعنى، فغدا مآلًا للتماثل، والاستنساخ عن القصد أو من دونه، لربما ينجح الإعلام الأول العربيّ في اتباع ما اعتمده الإعلام الآخر الأجنبي. بموازاة ذلك أنتج حال الإحباط وأثر الهزيمة لدى الإعلام العربيّ الراديكالي الرغبة في إبراز الفائض من التشدد في الخط التحريريّ حتى على حساب ضبط المفردات ودلالة المعاني التى تنطوي عليها ليبرز أصحابه الأنويّة المفرطة لديهم في رفع راية المواجهة الإعلامية بما لا يقبل خطا للرجعة أو مكانا للعودة يوما إلى الوراء في أنهم مقدمة المقدمة، أدى الخطاب الإعلامي غرضه او لم يؤدِّ.

إن الإعلام العربي يحتاج إلى مراجعة شاملة لضبط الصياغة في استخدام المفردات في صراع مستديم، مثل الصراعات كلها، حيث يكتب فيها المنتصرون الأقوياء التاريخ بعدما ينجزوا صنع حوادثه.

لا شك أن الحرب على غزة ستعيد صياغة تاريخ المنطقة وستطلق خطابا إعلاميا جديدا غير معتاد في الإعلام حول الإبادة والقتل وحب البقاء على قيد الحياة والارض.

* المدير العام لوزارة الاعلام اللبناني

جريدة النهار