*يمكن لـ"إسرائيل" أن تتوجه نحو شراء الخيم من الشركات الصينية الخاصة، لكن موقف الأخيرة بشأن حرب غزة لا يتباين عن الموقف الصيني الرسمي، ولن تُقْدِم الشركات على أي خطوة لها علاقة بحرب غزة من دون الرجوع الى الحكومة.
بيروت - الدكتورة تارا برو/ أستاذة محاضرة في الجامعة اللبنانية وباحثة في الشأن الصيني
يُصرّ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على اجتياح رفح جنوبي قطاع غزة على الرغم من الضغوط الدولية التي تمارس عليه من أجل ثنيه عن ذلك، نظراً إلى الكارثة الإنسانية التي سيتسبب بها هذا الاجتياح، إذ تؤوي مدينة رفح أكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني فروا من الحرب المستمرة على القطاع منذ الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وتجمعوا ضمن أحياء المدينة، في مدارس وفي مراكز الإيواء، ومع ذلك لم يسلموا من القصف الإسرائيلي.
وفي هذا السياق، أشار الإعلام الإسرائيلي إلى أن "جيش" الاحتلال بدأ الاستعدادات لشن عملية برية في رفح في حال انهيار مفاوضات الأسرى، بحيث سيتم عزل المدينة وإجلاء المدنيين ووضعهم في مخيمات. ومن أجل ذلك، أمر بنيامين نتنياهو بشراء 40 ألف خيمة من الصين لبناء مخيمات للنازحين تمهيداً لاجتياح رفح.
ماذا بشأن الموقف الصيني تجاه الطلب الإسرائيلي؟
من المستبعَد أن ترسل بكين الخيم إلى "تل أبيب"، نتيجة عدة أسباب، منها:
- موقف الصين الرافض منذ البداية للهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، وتصريحات المسؤولين الصينيين، بدءاً بالرئيس الصيني شي جين بينغ، والتي ترى أن الشعب الفلسطيني تعرّض لظلم تاريخي، ويجب إيجاد حل للقضية الفلسطينية. ويكون ذلك، بحسب بكين، عبر حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود 67، عاصمتها القدس الشرقية.
- تواجه الشركات الإسرائيلية صعوبات في استيراد المواد التي تستخدم لأغراض الحرب. وأشار تقرير نشرته صحيفة "بديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، قبل عدة أشهر، إلى أن الشركات الإسرائيلية تواجه صعوبات في استيراد المكونات التكنولوجية من الصين التي تُستخدم لأغراض عسكرية، وأحياناً مدنية.
- رفض الصين المشاركة في التحالف الذي أسسته الولايات المتحدة الأميركية لشن هجمات ضد "أنصار الله"، كما أن بكين لم تستجب لطلب واشنطن الضغط على إيران لكبح هجمات "أنصار الله"، في البحر الأحمر، لأن بكين تَعُدّ هذه الهجمات مرتبطة بالحرب على غزة. وبالتالي كي توقف "أنصار الله" هجماتها يجب إيقاف الحرب في القطاع.
- كثفت بكين، خلال الأسابيع الأخيرة، نشاطها الدبلوماسي في الشرق الأوسط، بحيث أوفدت مبعوث وزارة الخارجية، السفير السابق لدى لبنان، وانغ كيجيان، إلى المنطقة، فزار رام الله و"تل أبيب" والقاهرة والدوحة، والتقى هناك رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية.
وهي المرة الأولى التي يجتمع فيها مبعوث صيني بأعضاء حركة حماس منذ بداية طوفان الأقصى في الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر الماضي. كما اجتمع بوزير الدولة القطري محمد الخليفي، ودعا الجانبين إلى وقف شامل لإطلاق النار وتقديم مساعدات إنسانية وتسوية عادلة ودائمة للقضية الفلسطينية.
- مواقف الصين في المحافل الدولية، مؤيدة للقرارات، التي تدعو إلى وقف الحرب على قطاع غزة وإدخال المساعدات الإنسانية له. فمندوب الصين في مجلس الأمن يشدد دائماً على وقف فوري لإطلاق النار في غزة ورفع الحصار عن القطاع وإدخال المساعدات له، كما أن بكين استخدمت مؤخراً حق النقض، "الفيتو"، في مجلس الأمن ضد مشروع قرار أميركي يضع شروطاً مسبقة لوقف إطلاق النار في غزة، بينما صوتت لمصلحة القرار رقم 2728، تاريخ 25 آذار/مارس الجاري، والذي يدعو إلى وقف إطلاق النار الفوري خلال شهر رمضان المبارك. كما أن ممثلها في محكمة العدل الدولية أكد أن "إسرائيل" "تحتل فلسطين، وأن حق الدفاع عن النفس يقع على عاتق الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين".
- سعي الصين لأن تكون لاعباً أساسياً في الشرق الأوسط، بحيث تربطها بدول المنطقة علاقات جيدة. كما تعمل على إحلال السلام في المنطقة، كما هي الحال في أدائها دور الوساطة بين السعودية وإيران. لذلك، ليس من مصلحتها أن ترسل الخيم إلى "إسرائيل" وأن تظهر شريكةً لها في الكارثة الإنسانية المحتملة في رفح، إن تم الهجوم البري.
- دعت الصين "إسرائيل" مراراً إلى وقف عملياتها العسكرية في مدينة رفح، محذرة من كارثة إنسانية في حال تواصل القتال. لذلك، لن تكون بكين شريكة في حدوث الكارثة الإنسانية وتهجير الفلسطينيين خارج غزة، وخصوصاً أن وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، صرّح في خطابه أمام المؤتمر الستين للأمن في ميونيخ، والذي عُقد خلال شهر شباط/فبراير الماضي، بأن تهجير الفلسطينيين هو الظلم الأطول أمداً في العالم.
يمكن لـ"إسرائيل" مثلاً أن تتوجه نحو شراء الخيم من الشركات الصينية الخاصة، لكن موقف الأخيرة بشأن حرب غزة لا يتباين عن الموقف الصيني الرسمي، ولن تُقْدِم الشركات الصينية على أي خطوة لها علاقة بحرب غزة من دون الرجوع الى الحكومة الصينية.
أثارت مواقف الصين وتصريحاتها بشأن حرب غزة استياء "إسرائيل"، الأمر الذي أدى إلى حدوث شرخ في العلاقات بين الطرفين. وربما هذا التوتر بينهما دفع "تل أبيب" إلى التصريح بأنها ستشتري الخيم من الصين لتشويه صورة الصين أمام المجتمع الدولي، وخصوصاً ان الصين تصرّح دائماً، أمام العالم، بأنها دولة تسعى لإحلال السلام والأمن، وتعرض وساطتها لحل بعض الأزمات العالمية، كما حدث في حرب أوكرانيا وحرب غزة وأزمة النيجر والتوتر الذي نشأ بين إيران وباكستان.
المصدر : الميادين نت