تمارا برو / أستاذة محاضرة في الجامعة اللبنانية وباحثة في الشأن الصيني
يحاول الغرب الضغط على الصين لتغير موقفها من الحرب الروسية الأوكرانية وإبعادها عن روسيا، إذ إن التقارب الروسي الصيني يثير مخاوف الغرب الذي يعتبر أن بكين هي الداعم الأساسي لموسكو.
شهد العالم خلال الأعوام السابقة تحولات جيوسياسية مع بروز المعسكر الشرقي الذي يسعى إلى إنهاء الهيمنة الغربية وتشكيل عالم متعدد الأقطاب، وساهم تسارع الأحداث خلال الفترة الأخيرة، وخصوصاً بعد مجيء الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السلطة وتزايد الأنشطة الأميركية المعادية لكل من بكين وموسكو، في تشكيل هذا العالم الجديد الذي تقوده كل من الصين وروسيا وإنهاء العالم الأحادي القطب.
بالرغم من اختلاف وجهات النظر بين الصين والدول الغربية حول جملة من القضايا الأساسية، لا سيما موقف الصين من الحرب الروسية الأوكرانية وعلاقتها القوية مع روسيا، فإن الدول الغربية تدرك تماماً مدى أهمية الصين عالمياً والدور الأساسي الذي يمكن أن تؤديه حيال الحرب الروسية الأوكرانية.
من هنا، شهدت الأسابيع الماضية زيارة مسؤولين غربيين إلى الصين، من بينهم وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني، الذي حثّ بكين على توجيه رسائل واضحة إلى روسيا بشأن الحرب على أوكرانيا.
ويعتزم المستشار الألماني أولاف شولتس زيارة الصين خلال الأيام القادمة لمناقشة العلاقات الألمانية الصينية والحرب الدائرة في أوكرانيا التي أثقلت كاهل الدول الأوروبية دون أن تؤثر في الاقتصاد الروسي الذي ما زال يحقق أداء إيجابياً رغم الحرب، وهو ما يشير إلى نجاح موسكو في التصدي لتأثير العقوبات التي فرضت عليها، والتي تزيد على 16 ألف عقوبة، فيما تأثرت الدول الأوروبية بفرض هذه العقوبات.
وقبل عدة أيام، زارت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين الصين، وحذرت من أن الولايات المتحدة الأميركية مستعدة لفرض عقوبات على المصارف والشركات الصينية إذا قدمت دعماً لروسيا في حربها مع أوكرانيا.
وفي هذا الإطار، تقول واشنطن إنها ستحمل بكين المسؤولية في حال تحقيق موسكو مكاسب ميدانية في أوكرانيا، وهذا يدل على القلق الأميركي من أن تقدم الصين الدعم العسكري لروسيا، والذي يمكن أن يحقق لها مزيداً من الانتصارات الميدانية ويشكل عائقاً أمام العقوبات الغربية المفروضة.
تفرض الولايات المتحدة الأميركية عقوبات على شركات صينية، بزعم أنها تقدم الدعم العسكري لروسيا، منها مثلاً العقوبات التي فرضتها واشنطن مؤخراً على إحدى الشركات الصينية بذريعة أنها تزود الجيش الروسي بطائرات مسيرة.
وعلى خطى واشنطن، فرض الاتحاد الأوروبي قبل عدة أشهر عقوبات على شركات صينية بزعم أنها تؤمن دعماً عسكرياً لروسيا.
الصين التي ترفض الإملاءات الغربية ردت على تحذيرات وزيرة الخزانة الأميركية بشأن التعاون العسكري مع روسيا بأن استقبلت في اليوم نفسه الذي غادرت فيه يلين الصين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وأعلن الجانبان الروسي والصيني تعزيز التعاون الإستراتيجي بينهما، فضلاً عن اللقاء الذي جمع الرئيس الصيني شي جين بينغ بوزير الخارجية الروسي.
ويمكن المقارنة هنا بين اجتماع الرئيس الصيني بالمسؤول الروسي والزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن إلى الصين العام الماضي، إذ إن الصين لم تقرر ما إذا كان بلينكن سيلتقي الرئيس الصيني إلا قبل ساعات قليلة من اجتماعهما.
يحاول الغرب الضغط على الصين لتغير موقفها من الحرب الروسية الأوكرانية وإبعادها عن روسيا، إذ إن التقارب الروسي الصيني يثير مخاوف الغرب الذي يعتبر أن بكين هي الداعم الأساسي لموسكو، وأنها تشكل عائقاً أمام العقوبات المفروضة عليها. في المقابل، ترفض بكين الضغوط الخارجية التي تمارس عليها في علاقاتها مع روسيا.
تأتي زيارة لافروف إلى الصين في أعقاب التحضير لعقد مؤتمر دولي لمناقشة السلام في أوكرانيا في حزيران/يونيو القادم في سويسرا بغياب موسكو.
ومن المرجح حضور بكين التي شاركت في التحضير للمؤتمر الذي سيبحث الخطة التي وضعها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي ووزير الخارجية السويسري في الأشهر الأخيرة، مع تأكيد سويسرا أن "عملية السلام لا يمكن أن تتم بدون روسيا، حتى لو لم تكن موجودة خلال اللقاء الأول"، وربما ستكون الصين في المؤتمر وجهة روسيا نظراً إلى تقارب الموقف الروسي والصيني بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا.
من ناحية أخرى، هدفت زيارة لافروف أيضاً إلى البحث في الأمن في منطقة أوراسيا. وقد جاءت قبل عقد القمة الثلاثية بين الولايات المتحدة الأميركية واليابان والفلبين لمناقشة التصدي للنفوذ الصيني في بحر الصين الجنوبي وانضمام اليابان إلى حلف أوكوس. هذه التحركات الأميركية تثير قلق بكين التي ترى أنها تهدف إلى إنشاء حلف ناتو آسيوي لمواجهتها.
إضافة إلى مواجهة التحديات الأمنية التي تواجه كلا الطرفين، تسعى بكين وموسكو إلى تعزيز تعاونهما الاقتصادي بعدما وصل حجم التبادل التجاري بينهما عام 2023 إلى نحو 240 مليار دولار أميركي، بزيادة 26.3% عن العام 2022، كما أن روسيا هي أكبر مصدر للنفط إلى الصين خلال العام 2023، متجاوزة المملكة العربية السعودية، ويجري التباحث حول خط أنابيب الغاز "قوة سيبيريا 2".
وشملت زيارة لافروف التحضير للزيارة المرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين خلال الأشهر القادمة، والتي ستكون أول زيارة خارجية له بعد فوزه في الانتخابات الروسية، وهو ما قام به أيضاً الرئيس الصيني شي جين بينغ بعد إعادة انتخابه رئيساً للمرة الثالثة العام الماضي، إذ زار موسكو خلال شهر آذار/مارس 2023. وتشي هذه التحركات بمتانة العلاقات الروسية الصينية وسعي الجانبين للارتقاء بها إلى مستويات كبيرة.
في المحصلة، يمكن القول إن الولايات المتحدة الأميركية هي التي سرعت التقارب بين بكين وموسكو، واستمرارها بالضغط عليهما ومحاصرتهما سيدفعهما إلى التقارب أكثر من أجل الدفاع عن مصالحهما وصد ما يعتبرانه تهديداً أميركياً وغربياً يتطلب دعم تحالفهما الإستراتيجي، ويسرع وتيرة تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب قال عنه الرئيس الصيني خلال لقائه الرئيس الروسي العام الماضي إن الصين وروسيا تقودان معاً تغيرات لم تحدث منذ 100 عام.
المصدر الميادين نت