حسين الرواشدة
صحيح ، نختلف في وجهات النظر ، وربما في المواقف السياسية ، لكن لنتذكر دائما أننا بشر ، نخطئ ونصيب ، لا يوجد شيء يتحرك داخلنا أسمى من الإنسان، إنسانيتنا هي التي تمنحنا قيمة الحياة ، ويجب أن تمنحنا، أيضا ، قيمة السماحة والعفو والاحترام ، هذه الدنيا أقصر بكثير من أن نتبادل فيها الكراهية والقطيعة والبغضاء ، وهذه القضايا التي نختلف حولها مهما كانت كبيرة، أصغر من أن تجعلنا نشعر -للحظة - أننا خصوم أو أعداء ، باختصار لابد أن نتوافق على أننا "إخوة " في دائرة الإنسانية ، وإنْ اختلفنا في دائرة الرأي والسياسة.
صحيح ، نختلف حول الأردن ؛ بعضنا يراه وطناً يسكن فيه ويموت من أجله ، ودولة تستند إلى ارث حضاري ممتد لآلاف السنين ، بعضنا يراه جزءا من سايكس بيكو ، او مشروعا للحرب والحشد والمقاومة ، أي مقاومة ، وبعضنا -سامحه الله - يريدونه رافعة لمشاريعهم أو بيدرا لمحاصصاتهم، او مجرد ذخيرة في بنادقهم ومغامراتهم، نحن الأردنيين لابد أن نتوافق على أننا جميعا " إخوة " مواطنون في دائرة " الملّة الوطنية" ، وإن اختلفنا على ما يحدث معنا أو حولنا ، فلا يجوز أن نختلف على الأردن ، أو أن نساوم عليه، تحت أي ذريعة أو سبب.
صحيح ، نختلف حول القضية الفلسطينية ، البعض يراها من زاوية أوسلو واستحقاقاتها، وما زالوا يبحثون عن تسوية ربما انتهت صلاحيتها ، البعض يضعها في عنوان واحد وهو المقاومة بكافة أنواعها وفصائلها ، آخرون يتعاملون معها بمنطق المقاولة، لا نختلف أبدا على فلسطين ، ولا على دماء الشهداء ، ولا على التضحيات والجراحات و صرخات الجائعين ، وأنين المرضى والمصابين ، ولا على غزة المنكوبه والضفة المكلومة ، هذه الفواجع توحدنا وتثير فينا مشاعر الغضب ، ونحن مع نضال أهلنا هناك ونساندهم بكل ما لدينا من امكانيات ، عدونا واحد وهو الاحتلال الغاصب ، وهدفنا واحد وهو رحيله وإقامة دولة فلسطين.
لا يوجد دولة تعاملت مع فلسطين وقضيتها بطهارة سياسية ، وجعلتها أولوية لها كما فعل الأردن والأردنيون، ومع ذلك حان الوقت لكي نتصارح حول علاقتنا مع القضية الفلسطينية ، لا أريد أن أُقلّب المواجع التاريخية، أريد فقط أن نتوافق على أن هذه القضية لابد أن تدور في فلك الأردن ومصالحه العليا ، لا أن يدور هو في فلكها ، باختصار فلسطين قضية من أهم قضايا الأردنيين ، لكن الأردن هو قضية الأردنيين الأولى ، دُلّوني على شعب في العالم ، أي شعب ، لا يرى بلده قضيته الأولى.
صحيح ، نختلف حول أداء مؤسساتنا وإداراتنا العامة ، نحتدّ أحيانا بالنقد وربما التجريح ، نتغاضى أحيانا أخرى عن الإنجازات مهما كانت ، نغرق في السواد العام وننسحب من المشاركة ، ونتبادل المظلومات ، نهرب من اسئلة كبرى تتغلغل داخلنا عن الهوية والمواطنة والتاريخ والمستقبل ، في لحظة ما تحركنا الفزعة فنتوحد، وفي لحظة أخرى يداهمنا الانقسام على إيقاع كلمة تافهة ، نحن مجتمع متعدد ، ثلثه من اللاجئين ، لم يسجل تاريخنا على أي أردني أنه أغلق بابه أمام قادم مستجير ، أو ضاق بضيف او لاجىء ، أجمل ما لدى الأردنيين طيبتهم ، وأعز ما لديهم كرامتهم ، واهم ما يميزهم التصاقهم بتراب وطنهم .
باختصار ، لابد أن نتوافق على أن انتقاداتنا لأداء حكوماتنا ومؤسساتنا ،أو اختلافنا حول واقعنا وقضايانا ، هي وجهات نظر مشروعة ومطلوبة، لكن لايجوز أبدا أن تزعزع مشتركاتنا الأساسية : الانتماء للدولة والولاء لقيادتها ، الاعتزاز بالهوية الأردنية ، الالتزام بالمصالح العليا للدولة والدفاع عنها ، الإيمان بالأردن الوطن والمشروع ، التاريخ والمستقبل.