![الطويل تكتب : انتزاع الهوية العربية: أين نحن من قيمنا وأخلاقنا؟](/assets/2025-02-09/images/393501_1_1739097953.jpg)
نسرين الطويل
نريد مسلسلات تلفزيونية تعكس هويتنا، تحكي قصصنا العربية الأصيلة، وتجسد قيمنا وتاريخنا. أين نحن من تلك المبادئ التي كنا نفتخر بها؟ أين هي الأخلاق التي كانت تُغرس فينا منذ الصغر؟ لماذا نسمح للشاشات أن تكون المُربي الأول لأطفالنا، وأن تُشكل أفكارهم وقناعاتهم؟ هل نريد أن نقدم لهم صورة مشوهة عن الحياة، أم أننا نريد أن نعلمهم قيم العفة والأخلاق والكرامة؟
المسلسلات الدرامية التي تروج للقيم السلبية والسلوكيات غير الأخلاقية، هل هذه هي الطريقة التي نريد أن يتربى عليها الجيل الجديد؟ نحن نريد لأطفالنا أن يختاروا الخير، أن يسيروا على طريق الصواب، ولكننا في المقابل نقدم لهم نماذج سلبية عبر الشاشات، ونخلق لديهم حالة من الارتباك بين الحق والباطل، بين القيم الأصيلة والتقاليد المستوردة.
نلوم أطفالنا ومراهقينا، نشكو من سلوكياتهم، وننسى أننا نحن من سمحنا للشاشات أن تكون البديل عن التربية. بل إن بعض الآباء والأمهات، الذين من المفترض أن يكونوا القدوة الأولى لأبنائهم، أصبحوا هم أنفسهم ضحايا لهذه المسلسلات، يتابعونها بلهفة، ويُعجبون بشخصياتها المثالية، دون أن يدركوا أنهم بذلك يُرسخون قيماً غريبة عن مجتمعاتنا.
والطريف في الأمر أن حتى كبار السن لم يسلموا من هذا التأثير! نجد الجدّة وهي تتحدث عن "فروق" بين أبطال المسلسل التركي وكأنها في سن المراهقة، والجدّ وهو يعلق على مشاهد الحب المبالغ فيها وكأنه شاب في العشرين! يا له من عصر غريب، حتى الشاي لم يعد يُشرب إلا مع حلقة من المسلسل الجديد!
في الماضي، كانت الشاشات تعكس هويتنا. كانت تقدم لنا الحارة المصرية من خلال أعمال نجيب محفوظ، والحارة الدمشقية من خلال إبداعات خيري الذهبي، ومن خلال روايات حنا مينا. كانت هذه الأعمال تُعلمنا القيم، تُذكّرنا بتراثنا، وتُعزز فينا روح الانتماء. ولكن اليوم، ماذا تقدم لنا الشاشات العربية؟ مسلسلات تركية تعرض حياة الباشاوات في قصور فخمة، وحياة مليئة بالمبالغات العاطفية التي لا تمت للواقع بصلة! هل يعيش الأتراك حقاً في هذا العالم الخيالي؟ أم أنهم يضحكون على العالم بينما نحن نأخذ كل شيء على محمل الجد؟
هل هذه هي الصورة التي نريد أن يراها أطفالنا؟ هل نريد أن نرسم لهم واقعاً مشوهاً، أم أننا نريد أن نعلمهم قيم العفة والأخلاق والكرامة؟ ما يؤلمني ويحزنني هو أن شعباً عريقاً مثل شعبنا، كان دائماً يعتز بتراثه وتقاليده، أصبح اليوم يسمح لهذه البرامج أن تُشكل وعيه وتُغير قيمه. كيف وصلنا إلى هذا الحال؟ كيف سمحنا لأنفسنا بأن نُفقد هويتنا بهذه السهولة؟
لقد فات وقت الشكوى، وآن وقت العمل. لقد حان الوقت لأن نعيد النظر في ما نقدمه لأطفالنا عبر الشاشات. يجب أن نسأل أنفسنا: لماذا نستورد هذه البرامج الأجنبية؟ هل نحن عاجزون عن إنتاج محتوى يعكس هويتنا ويحترم قيمنا؟ أم أننا فقدنا الثقة في قدرة كتابنا ومبدعينا على تقديم أعمال تليق بنا وتُعبر عنا؟
الأمر لا يقتصر فقط على القيم، بل يتعداه إلى تشكيل توقعات غير واقعية لدى الشباب. هذه المسلسلات تقدم شخصيات مثالية، رجالاً ونساءً بلا عيوب، يعيشون حياةً خياليةً بعيدة كل البعد عن الواقع. وهذا يُشكل ضغطاً على الشباب، ويجعلهم يعيشون في حالة من عدم الرضا عن حياتهم، لأنهم يقارنون أنفسهم بتلك النماذج الخيالية.
نحن نتعرض لغسل دماغ شامل عبر هذه البرامج، التي تهدف إلى تشكيل أفكارنا وقيمنا وسلوكياتنا. والسؤال الأهم: لماذا نسمح بذلك؟ لماذا نتحمل مسؤولية تدمير هويتنا بأيدينا؟ ما هو الثمن الذي سندفعه إذا استمرينا على هذا المسار؟ هل سنفقد هويتنا الثقافية؟ هل سنفقد قيمنا وأخلاقنا؟
الجواب بسيط: إذا لم نتحرك الآن، إذا لم نُعيد الاعتبار لإنتاجنا المحلي، إذا لم نُعِد لأطفالنا دراما تعكس هويتنا وتُعزز قيمنا، فإننا سنفقد كل شيء. سنفقد تراثنا، سنفقد قيمنا، وسنفقد هويتنا.
لقد حان الوقت لأن نستعيد زمام المبادرة. لنكن واعين بما نعرضه على شاشاتنا، ولنحرص على أن نقدم لأطفالنا محتوىً يعكس قيمنا وأخلاقنا. لنكن قدوة لهم، ولنعلمهم أن الهوية ليست مجرد كلمة، بل هي قيم وأخلاق وتاريخ نعتز به.
فهل نستيقظ قبل فوات الأوان؟