![موقف غير مسؤول في وقت حساس الانسحاب من انتخابات نقابة المهندسين:](/assets/2025-02-14/images/394180_1_1739536251.jpg)
القلعة نيوز: بقلم الدكتور جاسر خلف محاسنة
يمر الأردن بمرحلة دقيقة تتطلب تكاتف الجهود وتغليب المصالح الوطنية على الحسابات الضيقة. وفي هذا السياق، تأتي انتخابات مجالس الفروع في نقابة المهندسين الأردنيين، المزمع عقدها غدًا الجمعة، لتعكس جوهر الممارسة الديمقراطية، وتعزز الدور المؤسسي للنقابة في النهوض بالقطاع الهندسي.
ومع ذلك، شهدت إحدى المحافظات انسحاب قائمة انتخابية مؤدلجة عبر بيان على وسائل التواصل الاجتماعي، متذرعة بحجج غير مقنعة مثل السماح بالتصوير داخل القاعات، وادعاء وجود "تدخلات خارجية" في العملية الانتخابية. هذا الموقف لم يكن مفاجئًا، لكنه أثار استياء العديد من المهندسين، لكونه يعكس نهجًا يفتقر إلى المسؤولية والالتزام بقواعد المنافسة الديمقراطية.
جاء في بيان القائمة المنسحبة حديث عن محاولات سابقة لتشكيل "كتلة توافقية" تضم مختلف الأطياف النقابية، لكنها لم تنجح في تحقيق ذلك. غير أن إخفاق هذه الجهود لا يمكن تحميله لأي جهة سوى أصحابها، الذين تبنّوا نهجًا إقصائيًا حال دون قدرتهم على استيعاب التعددية داخل النقابة، مما أدى إلى عزلتهم السياسية.
أما الادعاء بوجود "تدخلات خارجية وانحياز لصالح القائمة المنافسة"، فهو ليس إلا تكرارًا لمزاعم اعتادت هذه الجهات اللجوء إليها كلما باتت خسارتها وشيكة. ومن غير المنطقي التشكيك في انتخابات تُجرى بإشراف النقابة وبتوافق الهيئة العامة، مما يجعل مثل هذه الادعاءات محاولة مكشوفة لتبرير الانسحاب، بدلًا من خوض المنافسة بشرف.
القائمة المنافسة تضم مهندسين من خلفيات فكرية وسياسية متنوعة، تمثل غالبية الجسم النقابي، وتسعى بجدية لتعزيز مسار الإصلاحات السياسية والاقتصادية داخل النقابة وفي المملكة بشكل عام، بعد سنوات من التهميش النقابي. هذا التنوع ليس نقطة ضعف، بل هو مؤشر على النضج المهني والرغبة الصادقة في إحداث تغيير إيجابي يخدم المهندسين ويحقق تطلعاتهم.
أما القرارات التي يجري الاعتراض عليها، فقد جاءت بعد موافقة الهيئة العامة، مما يعني أنها لم تكن مفاجئة أو مستحدثة، بل خضعت لإجراءات قانونية واضحة. وعليه، فإن الانسحاب بدعوى "عدم الجاهزية لمواجهة الإرادة الحقيقية للمهندسين" يعكس محاولة للهروب من صناديق الاقتراع، بدلًا من الاحتكام للديمقراطية كسبيل وحيد للتغيير.
يأتي هذا الجدل في وقت يواجه فيه الأردن تحديات وجودية تتطلب التكاتف الوطني، والاصطفاف خلف جلالة الملك عبد الله الثاني، الذي يقود جهود الإصلاح والتنمية على جميع المستويات. إن نقابة المهندسين ليست كيانًا معزولًا عن هذه الإصلاحات، بل تشكل ركيزة أساسية في عملية التطوير التي تعزز دور المهندسين في بناء الوطن وتحقيق النمو الاقتصادي.
إن الانسحاب من الانتخابات، بدلًا من المساهمة الفاعلة في إنجاحها، لا يخدم المصلحة العامة، بل يعكس ذهنية إقصائية ترفض التعددية والعمل المؤسسي. المطلوب اليوم ليس التلويح بالانسحاب أو افتعال الأزمات، بل الانخراط المسؤول في العملية الديمقراطية، وتقديم نموذج يحتذى به في النزاهة والشفافية. فقوة النقابة تكمن في تماسك أعضائها، وثقتهم بمؤسساتهم الشرعية، ولن نسمح لمحاولات التشكيك أن تنال من هذا التماسك. فالانتخابات مسؤولية وأمانة، ولا يمكن لأي طرف أن ينسحب منها تحت ذرائع واهية، حين يدرك أن النتائج قد لا تأتي لصالحه. مستقبل النقابة لا يُبنى بالمزايدات أو الهروب من التحديات، بل بالعمل الجاد والمشاركة الفاعلة في صنع القرار. دعونا نرتقي بالعمل النقابي، ونؤمن أن الديمقراطية التزام حقيقي، لا مجرد شعار يُرفع عند الحاجة.