
حسن فواز الصقور
في عالم يشهد تغييرات متسارعة، يتساءل الشباب الأردني: أين نحن من كل هذا؟ نحن الجيل الذي كبر وهو يرى العالم يتحول أمامه بشكل غير مسبوق؛ تكنولوجيا تتقدم كل يوم، ومتغيرات سياسية واقتصادية تجعل المشهد أكثر تعقيدًا. وسط هذا الحراك، يجد الشباب أنفسهم أمام تحدٍ وجودي: كيف نواكب هذا التسارع دون أن نفقد بوصلتنا؟
الشباب الأردني ليس بعيدًا عن هذه التحولات، بل يعيشها يوميًا. في أحاديثي مع أصدقاء وزملاء شباب، أجد قاسمًا مشتركًا بيننا جميعًا: الرغبة في التقدم، وفي الوقت ذاته، القلق من المجهول. البعض يرى في سوق العمل عقبة يصعب تجاوزها، بينما يشعر آخرون أن الأفكار المبتكرة التي يحملونها لا تجد بيئة حاضنة.
لكن ما بين هذه التحديات المجتمعية التي يرونها ، هناك تحديات نابعة من وعي ورؤية الشباب أنفسهم لا تقل أهمية عن التحديات المجتمعية ولا يمكن تجاهلها. فالكثير من الشباب يعانون من نقص في الدافعية، وافتقار إلى نموذج القدوة الملهم، إضافةً إلى شعور متزايد بعدم الرغبة في التعلم. وقد يكون هذا التحدي هو الأخطر، لأن انطفاء الرغبة في المعرفة يعني انغلاق الأفق أمام المستقبل.
إن رؤية جلالة الملك عبد الله الثاني وسمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني لطالما كانت واضحة: الشباب هم ركيزة المستقبل. الحديث المستمر عن أهمية تمكينهم، ودمجهم في عملية التنمية الوطنية، ليس مجرد شعارات، بل توجيه استراتيجي يعكس قناعة راسخة بأن بناء الأردن الحديث لا يمكن أن يتم دون شباب واعٍ، قادر على التفكير النقدي، ومؤهل لمواجهة تحديات عصره.
لكن كيف نترجم هذه الرؤية إلى واقع ملموس؟
الحل يبدأ من الداخل، من الشباب أنفسهم. إن غياب الدافع ليس دائمًا نتيجة الظروف الخارجية، بل قد يكون ناتجًا عن نماذج سلبية مترسخة في المجتمع، أو شعور مبكر بالإحباط نتيجة تجارب فاشلة لم تحظَ بالدعم الكافي. هنا يأتي دورنا في إعادة إحياء روح المبادرة لديهم، ليس من خلال النصائح النظرية، بل عبر تهيئة بيئة تحفّزهم على المحاولة وتحتوي أخطاءهم.
نحن بحاجة إلى تسليط الضوء على نماذج شبابية استطاعت، رغم الصعوبات، أن تحقق نجاحات ملموسة. هؤلاء يمكن أن يكونوا قدوة حية، وليس مجرد قصص تُروى في المناسبات الرسمية. فعندما يرى الشباب أن أشخاصًا من ذات البيئة التي يرونها عائقاً استطاعوا أن يصنعوا فرقًا ويحققوا أهدافهم ، عندها يصبح الإنجاز هدفًا قابلًا للتحقيق، لا مجرد حلم بعيد المنال.
أما فيما يتعلق بالشعور بعدم الرغبة في التعلم، فربما علينا إعادة تعريف مفهوم التعلم ذاته. التعلم ليس محصورًا في قاعات الدراسة أو بين دفتي الكتب، بل هو أسلوب حياة. التكنولوجيا التي نخشى من سرعتها، يمكن أن تكون مدخلًا لتحفيز الشباب على استكشاف مجالات جديدة، إذا عرفنا كيف نوظفها بالشكل الصحيح. منصات التعليم الإلكتروني، وبرامج التعلّم القائمة على التحديات والألعاب، قد تكون بوابة لإشعال فضولهم من جديد.
كما أن إدماج الشباب في المبادرات التي تمس واقعهم مباشرةً، يجعل التعلم لديهم عملية تلقائية. عندما يُطلب من شاب المشاركة في مبادرة لتحسين الحي الذي يعيش فيه، أو في مشروع يعالج قضية تؤرقه، فإنه سيسعى لتطوير مهاراته دون أن يشعر بأنه مجبر على ذلك.
الأردن يمتلك ثروة لا تقدر بثمن: شبابه. هؤلاء الشباب، رغم التحديات، يملكون من الطموح والإبداع ما يكفي لبناء مستقبل مشرق. ودورنا جميعًا، أفرادًا ومؤسسات، هو أن نكون الجسر الذي يعبرون من خلاله نحو ذلك المستقبل.
التحديات كبيرة، لكن الأمل أكبر. والشباب الذين يصنعون الفرق اليوم، هم الذين سيقودون الوطن غدًا. وما علينا سوى أن نمنحهم الثقة، ونعزز لديهم الإيمان بأن التعلم المستمر هو مفتاح بناء الغد.
وبتوجيهات جلالة الملك عبد الله الثاني وسمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، نملك اليوم رؤية واضحة وأرضية صلبة ننطلق منها. فإذا اجتمعت طاقة الشباب مع هذه الرؤية القيادية الحكيمة، سنتمكن من تحقيق الكثير، ونبني للأردن مستقبلًا يليق بطموحات شبابه وعزيمته.