
القلعة نيوز:
مقال قد يظن القاريء من عنوانه بأن الكاتب يوحي ذهابا تجاه السلبية في نقاشه للمحتوى الذي قد يكون محوره ملف او قضية من تلك التي اعتاد الأردنيين الانشغال بها وتكرار الحديث حولها بنفس الطريقة النمطية التقليدية العامة في طرحها و نقاشها بل مع إضافة ميزة تحديد مؤشر الضبط لمنبه الوقت الذي يطلق صافرة التنبيه معلنا دخول الفترة الزمنية المحددة المطلوبة للتوقف عن تناول الحديث حول تلك القضية حيز التنفيذ أو نسيانها .
ظاهرة النمطية التقليدية في التعاطي ضمن إطار العموميات المستندة الى مصادر ورد الينا الأن البيان التالي من مصدر موثوق أو عن صفحة معدة معتمدة على ارزاق إطلاق الدعايات و الاشاعات حول قضية أو قضايا الساعة الوطنية دون تحديد مستوى أهمية القضية أو مدى استحقاق إيجاد الحلول لها و جدية العمل عليها ، و اعتبارها زوبعة في فنجان تحدث أو تهب من الأغلبية الشعبية أو القوى السياسية الحزبية أو مراكز الدولة و المؤسسات الحكومية المعنية و المختصة بها ، أفقد بل قتل و أمات وأصدر شهادة وفاة غير معلنة للعديد من القضايا التي صارت اشباحا جسدا دون روحا ، يتم تداولها في محيط كل مستوى حسب المبتغى منه ، فاذا قلنا على صعيد المستوى الشعبي قد تكون الغاية و النية هي تغطية على صناعة الشخصية الترند أو لتمضية اوقات الفراغ أو تمريرها للقضاء على الملل و اشاعة التسلية في بعض مناسبات داخل المجالس و صالات الاعراس و بيوت العزاء ، و اذا قلنا على المستوى السياسي الحزبي فالغاية بل الغايات و النية و النيات متعددة ، و لدينا نماذج بالعشرات أدلة و براهين عليها ، فلكل فرد أو تنظيم سياسي أو كيان حزبي غايته و ما نوى ، فهناك من يتناول القضايا الوطنية من وجهة نظر دينية لأنها الاقصر و الأكثر فعالية في تشكيل وكسب تأييد و استقطاب القواعد الشعبية من ثم عند عجزها يخرج بفتوى أخرى تكون صك براءة له من وزر أعباء تلك المسؤولية و ينطبق عليهم قوله تعالى (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ) ، و هناك من يتناولها تجارة وصناعة و حرفة ليصنع له منها رمزا و للعلياء سلما و قد يكون الحظ في جانبه و يقع عليه الاختيار تحت التجربة و الاختبار و يستلم منصبا يقاتل لأجل البقاء فيه و قد يصنع المستحيل ليظل تحت مظلة السلطة و اضواءها عليه مسلطا ، و هناك من هم أصحاب الخبرة و الاختصاص و التجربة لا يملك إلا فكرا و قلاما و إعلاما توعويا ، ولو كانت المناصب توزع أو توزن بكتابة المقالات لكن هناك أناس أحق في مواقع المسؤولية ممن هم في مناصبهم الحالية .
على الصعيد الحكومي مع اقراري و شعوري بالامل و التفاؤل أننا نعيش مرحلة من التعامل مختلفة ، لكن الانطباع عن الفترات السابقة كان النهج كما هو متكرر عابر للحكومات ، يتنقل بين الوزارات و يتمثل بعناوين عمل في بداية كل تشكيلة وزارية جديدة لكن دون ترجمة على الواقع أو طرح بدائل ، و ترحيلها حسب و صفة استاذنا الكبير الفاضل موسى حجازين ( سمعة أو ابو صقر ) حضر مغلفين ، هذا بالنسبة للسلطة التنفيذية ، ام السلطة التشريعية ( مجلس الأمة) ، الشعب والمواطن ارهقته القرارات و السياسات التي لم تعالجها الخطابات والمداخلات السياسية ، لكن على الأقل كان هناك من يرفض الصمت و يقوم بتفعيل الميكرفون لأن الحياد أو الصمت في الملفات والقضايا الوطنية و علاجها خطأ و خطيئة .
رسالة هذا المقال إعادة كتابة وطرح قائمة الملفات والقضايا الداخلية و تكرار التعامل معها بالطريقة التقليدية لن يجدي دون التعامل معها بمنهجية مرحلة التحديث و مساراته الثلاث و انتهاج سلوك الممارسة الحزبية السياسية البرامجية و وضع حد فاصل في قرارات علاجها حيث يكون هناك وضوح و تمييز بين الجرأة في النقد و بين استخدام أدوات الاستهانة والتهكم قد تصل إلى درجة الفكاهة أو التفاهة ( اعتذر عن قسوة الكلمة ) ، حد فاصل بين الواقعية في المشورة و الملاحظة و الأخذ بها عند أصحاب المسؤولية وما بين إهمالها و تجاهلها لغاية ذر الرماد في العيون تحت ذريعة عدم التمكن، مع العلم أن السياسة هي فن الإدارة ضمن الممكن ، و للأمانة أن الحكومة الحالية مقارنة مع حداثة تشكيلها و قصر مدة تسلمها اتخذت إجراءات و قرارات قد لا نلمس أثرها على المدى القصير ، ولكن هذا لا يمنع من تقييم اداء تشكيلتها تجاه الملفات الداخلية ذات الأولوية الوطنية و الأمر ذاته تجاه مجلس النواب .
سأختم بأمثلة على ما قصدته انشائيا كما يصفه البعض ، اهتمام الإعلام بالفنان الاردني ابو سيف و تأبينه بعد وفاته و كان يعاني في حياته من ضنك وهناك أمثاله الكثير من أهل الثقافة و الصحافة و الاعلام و الأكاديميين و المتقاعدين مدنيين و عسكريين و أجهزة أمنية الاصدق قولا و الاخلص عمالا ، و القطاع الخاص بمختلف قطاعاته ، حتى بعض المسؤولين الذين نالوا شرف الخدمة و ادوها بأمانة و نزاهة و نظافة .
من يمتلك ضميرا حيا وقلما حرا عليه أن يكون مواكبا لكل حدث وكل حالة اردنية خاصة إذا كانت شأنا محليا و مطلبا شعبيا ، ويقدم فكرا نيرا و لونا صريحا منحازا للمصلحة العامة و لا يكون من طبقة المثقفون الجبناء كما وصفها الكاتب رمضان الرواشدة، غير مدعيا وطنية متكسبة أو معارضة عدمية انتهازية لكن يمارس كتابة منهجية متوازنة تحمل رسالة هي ملاحظة وحق علينا تجاه المسؤول فأن غفل عنها واجب عليه أن يتذكرها و يخضعها للدراسة و الأخذ بها أن كانت مجدية وضمن الصلاحية ، أما أن تغافل ولم يقم بها ، هنا تنهض روح المحاسبة و المسائلة التي تعكس وجه ونموذج المواطنة الفاعلة الحقيقية .
هناك من أخذ فرصته وهو يستحقها وقام بواجبه واحيانا هناك من لا يستحقها ولم يقم بواجبه وهناك من قدم كل ما يملكه ولم تفلح و تزهر إداراته ، عليه أن يفسح الطريق لخيارات من الشخصيات تنتظر لتقديم ما عجز عنه ممن سبق أو تكمل ما أنجز و ما بدلوا تبديلا ، وهذا نهج الممارسة السياسية البرامجية .
عهد عقلية توريث المناصب والمكاتب يتناقض مع مرحلة التحديث و مساراته الثلاث ، بل الوطن الاردني و هو يمر بهذه المرحلة الحساسة من تاريخ المنطقة لا يملك ترف المحاصصة و الاعتماد على العلاقات والصداقات الشخصية كألية في توزيع المناصب و مهام المسؤولية ، و في كل مرة ننتظر تدخل المبادرات و الرؤى الملكية الثاقبة الحاسمة رغم أعباء الملف السياسة الخارجي لتضع حدا فاصلا و التأكيد على العمل بجدية و احترافية بعيدا عن التنظير و الجدلية لأنه مصير وطن ، القرار كان فيه بالأمس بقنطار اليوم برطل ، و لأننا نراه وطنا كبيرا عظيما نموت ويبقى حيا و لن ننعاه بل نستمر و نكتب ننشر املا ليكون أردنا اقوى صرحا منيعا للأجيال القادمة ترعاه عزيزا كريما آمنا مطمئنا مستقرا.