
القلعة نيوز- تعتبر الصكوك الإسلامية أداة تمويلية رائدة ومبتكرة في ظل التحديات الاقتصادية والمالية التي تواجهها العديد من الدول، حيث تفتح آفاقا جديدة لدعم المشاريع الكبرى وتعزيز التنمية المستدامة، لا سيما في الدول العربية والإسلامية.
ويعد الأردن من أوائل الدول التي تبنت هذا النظام المالي، حيث شهدت السنوات الأخيرة تطورا لافتا في استخدام الصكوك كوسيلة رئيسية لتمويل مشاريع ضخمة في مجالات حيوية، مثل البنية التحتية والطاقة المتجددة، كما أنها أصبحت جزءا أساسيا من استراتيجية التمويل الوطني.
وكان رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان قد أكد في وقت سابق، أن الحكومة عملت على تسديد سندات اليوروبوند المستحقة بتأمين تمويل ميسر مع بعض الدول الشقيقة والصديقة وكذلك إصدار سندات بأدوات مالية جديدة منها الصكوك الإسلامية بفوائد مخفضة، لاستثمار فائض السيولة لدى البنوك الإسلامية وتوفير بدائل جديدة لأدوات التمويل الحكومي.
والصكوك الإسلامية هي أدوات مالية تقوم على مبدأ المشاركة في الأرباح والخسائر وتعد بديلا للديون التقليدية التي تعتمد على الفوائد.
خبراء اقتصاديون اكدوا في حديثهم لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أن الفكرة الرئيسية للصكوك تتمثل في ربط التمويل بمشاريع حقيقية، ما يساهم في تقليل المخاطر المرتبطة بالاستثمار ويعزز الشفافية ويضمن توزيع العوائد بناء على الأداء الفعلي للمشروعات المدعومة.
وقال وزير المالية الأسبق الدكتور محمد ابو حمور، إن مؤسسات التمويل الإسلامية وأدواتها المالية تشكل عنصرا هاما وأساسيا في النظام المالي في معظم الدول العربية والإسلامية كما وجدت مكانا لها في الدول الغربية.
وأضاف إن السنوات الماضية شهدت نموا لافتا للصيرفة الإسلامية من حيث الحجم والأدوات والمنتجات التي تطورت لتواكب متطلبات السوق وحاجة المستهلكين، وتم إصدار تشريعات ناظمة لعمل المصارف الإسلامية تراعي خصوصيتها وتساعد على منحها الفرصة لتوسيع أعمالها في مختلف القطاعات وتقديم حلول مالية تستطيع تفادي الكثير من المخاطر التي تتصف بها أعمال المصارف بشكل عام.
وأشار الى أن الأردن يعد من أوائل الدول التي استوعبت الصيرفة الإسلامية ورسخت قواعد العمل المصرفي الإسلامي واستطاعت أن توفر البيئة التنظيمية والتشريعية التي تمنحها القدرة على التطور والعمل جنبا الى جنب مع باقي مكونات الجهاز المالي والمصرفي مما يمكن من المشاركة بفاعلية في تمويل الأنشطة والمشاريع الاقتصادية التي تساهم في نمو الاقتصاد وتوفير فرص العمل وتوفير التمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة وفق المعايير الشرعية.
وبين أنها ساهمت أيضا بتعزيز الشمول المالي وجذب فئات واسعة من المجتمع للانضواء ضمن الاطار الرسمي، خاصة أن المصارف الإسلامية عملت على تطوير منتجاتها وخدماتها بما يتواكب مع التحول الرقمي والثورة التكنولوجية التي فتحت آفاقا أمام تعزيز التنافسية ورفع الكفاءة وتحسين بيئة الاعمال والأداء الاقتصادي بشكل عام.
وأكد أنه في عام 2010 تم تشكيل لجان مختصة بمشاركة مختلف الجهات ذات العلاقة لتوفير اطار تشريعي للصكوك وعندما أقرت الدولة قانون صكوك التمويل الاسلامي عام 2012 كانت تسعى لتوفير اداة جديدة تعزز ادارة الدين العام ويمكن من خلالها توفير التمويل اللازم لمشاريع حيوية قد لا تتمكن الموازنة العامة من توفير التمويل اللازم لها بما يتيح الاستفادة من أدوات التمويل الاسلامية لإقامة مشاريع استثمارية وتنموية.
وتابع أن الصكوك الإسلامية تؤدي دورا حيويا في توفير التمويل اللازم للمشاريع المختلفة خاصة وأنها ترتبط بالجانب التنموي وتتميز بنسب أرباح أقل مما تتطلبه مصادر التمويل التقليدية، موضحا انها تعد الخيار المناسب في مختلف الظروف الاقتصادية، كما أنها تساهم في فتح نوافذ استثمارية للبنوك الإسلامية ضمن الأسس والمعايير التي يحددها البنك المركزي بما فيها نسب السيولة والتنوع الاستثماري.
وتوقع أبو حمور أن يستمر النمو في استخدام الصكوك الإسلامية كأداة تمويلية خاصة في ضوء التقلبات التي تشهدها الاقتصادات العربية والإسلامية وارتفاع نسب الدين العام وارتفاع أعباء خدمته بما يعزز النمو الاقتصادي وتوفير التمويل اللازم الميسر للمشاريع الراسمالية المختلفة.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عدلي قندح، إن اللجوء الى الصكوك الإسلامية في الأردن يعتبر فرصة استراتيجية لتعزيز الموارد المالية وتنفيذ مشاريع البنية التحتية الحيوية التي تتطلب رؤوس أموال ضخمة لتلبية احتياجات النمو السكاني والاقتصادي، مثل الطرق والمستشفيات والمراكز الصحية ودعم مشاريع الطاقة المتجددة التي تشهد تزايدا في الحاجة إليها.
وأوضح أن الصكوك الإسلامية إلى جانب دورها في توفير تمويل متوافق مع الشريعة، فإنها تتيح للحكومة الأردنية الاستفادة من مصادر تمويل جديدة بعيدا عن الاقتراض التقليدي الذي يرهق خزينة الدولة.
وأضاف إن الصكوك الإسلامية باعتبارها أدوات تمويل مرتبطة بأصول حقيقية ولا تعتمد على سعر الفائدة، إلا أن جاذبيتها في الأردن مثل غيرها من الأسواق، حيث قد تتأثر بانخفاض العوائد مقارنة بالأدوات التقليدية، مشيرا الى ضرورة تحسين تصميم الصكوك وربطها بمشاريع تنموية ذات عائد اقتصادي حقيقي، لتسهم في زيادة جاذبيتها للمستثمرين، كما يمكن الاستفادة من الضمانات الحكومية أو الشراكات مع القطاع الخاص لتعزيز ثقة المستثمرين.
ولفت الى ان الصكوك تعتبر أداة لتنويع محفظة البنوك الإسلامية في الأردن واستثمار فوائض السيولة لديها، الأمر الذي يعمل على تقليل المخاطر عبر الاستثمار في أصول حقيقية ومتوافقة مع الشريعة وتوزيع المخاطر على مشاريع مختلفة في قطاعات متنوعة وتعزيز سمعة البنوك الإسلامية والاطمئنان لدى العملاء الذين يبحثون عن أدوات استثمارية تتوافق مع الشريعة.
وبين أن هذا التوجه يمكن أن يساهم بشكل كبير في تعزيز الاستقرار المالي للبنوك الإسلامية ويؤكد قدرتها على توفير منتجات مالية تتماشى مع احتياجات الاقتصاد الأردني.
وقال قندح، إنه يمكن أن تكون الصكوك الإسلامية بديلا فعالا للسندات الحكومية التقليدية من خلال توفير التمويل بعيدا عن الفوائد التقليدية المرتفعة، ويمكنها أن تساهم في التخفيض من عبء الديون، خصوصا في ظل ارتفاع الدين العام، كما أنها تعمل على تعزيز الشفافية في تخصيص الأموال حيث يربط التمويل بأصول حقيقية أو مشاريع محددة.
وتابع، أنه في وقت الأزمات الاقتصادية مثل التحديات التي يواجهها الاقتصاد الأردني بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية في المنطقة، يمكن أن تشكل الصكوك الإسلامية أداة مرنة لتحفيز النمو الاقتصادي، حيث يمكن استخدام الصكوك الإسلامية في تمويل المشاريع الإنتاجية التي تساهم في تحفيز الاقتصاد.
وتوقع قندح أن يشهد سوق الصكوك في الأردن نموا متزايدا في المستقبل، خاصة مع التوجهات المتزايدة من الحكومة لتنويع مصادر التمويل، كما يمكن للأردن ان يكون في وضع جيد للاستفادة من سوق الصكوك الإسلامية العالمية، كما يمكنه الاستفادة من التجارب الناجحة في دول الخليج وماليزيا مع تطوير بيئة تشريعية وتنظيمية ملائمة لزيادة جذب الاستثمارات في هذا المجال.
وقال إن استخدام الصكوك الإسلامية في الأردن خطوة استراتيجية نحو تعزيز الاستقلال المالي وتحقيق التنمية المستدامة، فهي تعد رؤية اقتصادية شاملة توازن بين الكفاءة المالية والعدالة الاجتماعية والالتزام بالمعايير الشرعية.
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي حسام عايش، أن الصكوك الإسلامية تعد واحدة من الأدوات المالية المبتكرة التي أثبتت فعاليتها في تمويل المشاريع الكبرى، خصوصا في الدول التي تسعى لتعزيز الاقتصاد الوطني مع الحفاظ على التوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
واشار الى ان الحكومة بدأت تعتمد على الصكوك الإسلامية كوسيلة مبتكرة لتمويل المشاريع الكبرى في البنية التحتية والطاقة والنقل والتعليم، كما أنها ساهمت في تمويل مشاريع استراتيجية ويرتقب أن تسهم في تمويل شبكة السكك الحديدية الوطنية، ما يعزز التنمية المستدامة والربط الإقليمي.
وبين أن اللجوء الى الصكوك الاسلامية يساهم في جذب الاستثمارات الخليجية والمحلية عبر أدوات متوافقة مع الشريعة، ما يعزز موقع الأردن كمركز استثماري ويخلق فرص عمل جديدة تجاوز حاجز التريليون دولار، وأن الأردن يمتلك فرصة كبيرة لتعزيز اقتصاده عبر هذه الأداة التمويلية المرنة والمستدامة.
-- (بترا)