
شعرة معاوية ...
القلعة نيوز
قيل له :كيف حكمت الناس اربعين سنة ولم تحدث فيها فتنة، قال: إن بيني وبين الناس شعره إذا شدوها ارخيتها، وإذا أرخوها شددتها.
كان معاوية من الدهاء والحكمة بحيث يدرك تماما متى يجب أن يشتد في حكمة وأحكامه، ومتى يجب أن يتساهل في التعامل معهم، وهنا تقف قصته مع زياد بن أبيه الذي عينه والي على البصرة، وقد شكاه الناس فلجأ إلى حكيم البصرة الأحنف بن قيس ليستطلع اخباره، ولم يأخذ خبره من العامة، فقال الأحنف : يا أمير المؤمنين، إن زياداً قد ملأ الأرض عدلاً، وأظهر الأمن، وحجز بين الناس، وسدّ السبيل على الظالم، فإن كنت تعزله لما يبلغك عنه من الخير، فافعل، وإن كنت تعزله لما يبلغك عنه من الشر، فتمهّل حتى يتبيّن لك الحق."فأُعجب معاوية بكلام الأحنف، وقال: "قد أرجعنا زياداً إلى عمله، ما دام فيكم مثل الأحنف."
بين معاوية والأحنف قصص تروى فهذا ليس الموقف الوحيد، فقد دخل الأحنف مرة على معاوية وأغلظ له القول وهو يسمع، ثم لم انتهى وخرج قال له من في المجلس : ما منعك ان ترد على الأحنف وقد قال ما قال، فقال : قال: "دعوه، فذلك رجلٌ لا يُستفزّه الغضب، ولا يُستزلّه الهوى، ولا يُضام له جار." وفي رواية هذا رجل إذا غضب غضب له مائة ألف سيف لا يدرون فيما غضب.
بين الغضب والحلم، وبين ضيم الجار وإستزلال الهوى هل تكمن الحكمة، ولماذا يقف التاريخ إجلالا وإحتراما للبعض، ويعاب على إبي جهل السفه والطيش، وأنه ملك أمر القوم عنوة، وأدخلهم معركة عنوة دفاعا عن شرف مروم وسيادة مزعومة، فقتل سادات قومه، ووتر أمرهم، وضيع هيبتهم، واستخف القاصي والداني شأنهم.
كيف لنا برجال إذا قالوا صمت العدو والصديق، وإستكبر شأنهم الصغير والكبير، وعظم كلامهم العاقل والحكيم، وهل يضيع امر القوم إلا إذا تولى شأن العامة من في عقله سفه، وفي تصرفه طيش، هل إذا تكلم التافه في شأن العامة جاء بالحكمة والفصل من القول، هل يجب أن يتصدر المجالس أهل الحل العقد والحكمة والقول الفصل، الذي لايثير ضغينة، ولا يستصغر كبيرا، ولا يغضب العامة، وهل كان سيستقر حكم معاوية اربعين سنة لو لم يكن يسمع للحكماء في قومه، ولا يستصغر شأن العقلاء فيهم، ويدنيهم في مجلسه، ولا يستفزهم بقوله ولا فعله.
هناك في التاريخ رجال تستعظم شأنهم حتى لو كانوا اعداء، واليوم نستذكر حكمة عتبة بن الربيعة، ودريد بن الصمة، وغيرهم وهم اعداء، ونقف من الصديق الجاهل وقفة حذر وريبة، فهو مصيبة قائمة أو قادمة، نسأل الله السلامة في الرأي والمشاورة ، والسداد في القول والعمل، وان يجنبنا الله الفتن ما ظهر منها وما بطن.
إبراهيم أبو حويله