
الصحفي ليث الفراية
حين يكتب التاريخ فصول العزة والكرامة، لا بد أن يمر بمؤتة؛ معركة المجد الأولى، وراية الشهداء الأطهار، ومهد القيم النبيلة التي تأسس عليها هذا الوطن. ومن تلك الأرض التي رُويت بدماء القادة، وُلد صرح علمي عظيم، جامعة لا تشبه سواها، لأنها تنبض بهوية المكان وقداسة التاريخ. إنها جامعة مؤتة "السيف والقلم"، الجامعة التي لم تُبنَ فقط بالحجارة، بل بالأحلام والإرادة، لتغدو اليوم واحدة من أهم وأعرق مؤسسات التعليم العالي في الأردن، بل وفي العالم العربي.
تأسست جامعة مؤتة عام 1981، كجامعة وطنية ذات طابع فريد يجمع بين التعليم المدني والتعليم العسكري، لتكون أول جامعة أردنية تُؤسس في الجنوب، وتُعطي لمحافظة الكرك وأبنائها حضورًا أكاديميًا متميزًا. وقد حملت الجامعة منذ بدايتها رسالة ثلاثية الأبعاد: تعليم عالي الجودة، وبحث علمي منافس، وخدمة مجتمعية فاعلة.
وقد جاء هذا المشروع التعليمي الطموح برؤية هاشمية رائدة أراد لها جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، أن تكون شعلة علم ونور في جنوب الوطن، فكان لها ما أراد، واستمرت الراية مع جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، الذي أولى التعليم عنايته الخاصة باعتباره ركيزة التنمية الشاملة.
في ظل قيادة معالي الدكتور سلامة النعيمات، الرئيس الحالي لجامعة مؤتة، تشهد الجامعة مرحلة متقدمة من التطوير والتحديث على مختلف المستويات. فالرؤية التي يحملها الدكتور النعيمات ترتكز على تعزيز جودة التعليم، وربط المخرجات الأكاديمية بسوق العمل، ودعم البحث العلمي، وتمكين الطلبة ليكونوا فاعلين في مجتمعاتهم، وليسوا مجرد باحثين عن فرصة عمل.
يُعرف عن معاليه تفانيه في دعم العملية التعليمية، وانفتاحه على المجتمع المحلي، وحرصه على بناء شراكات استراتيجية مع مؤسسات وطنية ودولية، ما يعكس إيمانه العميق بأن جامعة مؤتة يجب أن تكون جامعة وطن بأكمله، لا جنوبه فقط.
تضم الجامعة اليوم أكثر من 15 كلية أكاديمية، أبرزها: كلية الطب، كلية الهندسة، كلية الحقوق، كلية الآداب، كلية العلوم، كلية تكنولوجيا المعلومات، وكلية الزراعة، بالإضافة إلى كلية الدراسات العليا، التي تطرح برامج ماجستير ودكتوراه في تخصصات متعددة.
وفي خطوة نوعية تعكس رؤية التوسع والتخصص، أعلنت الجامعة عن إنشاء كلية طب الأسنان، لتكون إضافة جوهرية إلى كلياتها الطبية، وتلبية لحاجة ملحّة في الجنوب الأردني. وستكون هذه الكلية مركزًا متميزًا للتعليم والبحث وتقديم الخدمات العلاجية المتقدمة، ما يعزز من مكانة الجامعة في الحقل الطبي على المستوى الوطني.
إدراكًا لأهمية البيئة التعليمية في دعم العملية الأكاديمية، شهدت جامعة مؤتة مؤخرًا نقلة نوعية في تطوير وتحديث مبانيها ومرافقها الجامعية. فقد تم العمل على إعادة تأهيل الأبنية الإدارية والتعليمية، وتوسعة القاعات الدراسية والمختبرات، بالإضافة إلى تحسين البنية التحتية الرقمية. كما تم الشروع في إنشاء مبانٍ جديدة للكليات والمراكز البحثية، بما يعكس توجه الجامعة نحو التميز في الشكل والمضمون.
في السنوات الأخيرة، ركّزت الجامعة بقيادة الدكتور النعيمات على دعم البحث العلمي كأداة لبناء الاقتصاد المعرفي. فقد تم إنشاء عدد من المراكز البحثية المتخصصة، وتمويل مشاريع علمية تخدم المجتمع المحلي وتحاكي التحديات الوطنية. كما يتم تشجيع أعضاء الهيئة التدريسية والطلبة على النشر في المجلات العلمية المحكمة، والمشاركة في المؤتمرات العالمية.
لم تكن جامعة مؤتة بعيدة عن المجتمع الذي تنتمي إليه، بل شكلت على الدوام ركيزة أساسية في مسيرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لمحافظة الكرك والجنوب عامة. وقد ساهم وجود الجامعة في توفير آلاف فرص العمل، وتنشيط الحركة التجارية، إلى جانب تبنيها مبادرات نوعية لدعم الشباب وتمكين المرأة، من خلال مراكز استشارية وتدريبية تعمل على تعزيز المواطنة والريادة.
يبلغ عدد طلبة جامعة مؤتة الجناح المدني والعسكري اليوم أكثر من 22 ألف طالب وطالبة من مختلف محافظات المملكة والدول العربية، ما يمنح الجامعة تنوعًا ثقافيًا غنيًا. وقد حرصت إدارة الجامعة على توفير بيئة جامعية محفزة، من خلال تحديث المرافق، وتفعيل الأندية الطلابية، وتنظيم الأنشطة التي تصقل المهارات وتبني الشخصية القيادية.
استجابة لمتطلبات العصر، تسير الجامعة بخطى واثقة نحو التحول الرقمي، فقد تم تطوير أنظمة إلكترونية متقدمة لتقديم الخدمات الأكاديمية والإدارية، بما في ذلك التسجيل، والتقييم، والتعليم الإلكتروني، مما أسهم في رفع كفاءة الأداء، وتسهيل حياة الطلبة والأكاديميين على حد سواء.
إنّ جامعة مؤتة ليست مجرد جامعة، بل قصة وطن، وسيرة من التحدي والإصرار والعطاء. من أرض الكرك التي رفعت سيوف الشهداء، خرجت مؤتة لتُعلّم، وتبني، وتفتح الآفاق بقيادة معالي الدكتور سلامة النعيمات، وتفاني كوادرها وطلبتها، ستظل مؤتة وفية لرسالتها، ثابتة في انتمائها، قوية في رؤيتها، حاضرة في وجدان كل أردني.
ستبقى مؤتة وعدًا لا ينكسر، وعهدًا لا يخون، وعلمًا لا ينطفئ... فهنيئًا للأردن بهذا الصرح، وهنيئًا للجنوب بجامعته التي تحتضن الحلم، وتُشعل في دروب المعرفة نورًا لا يخبو.