
القلعة نيوز: الدكتور محمد الطحان
يعتبر الشعر العراقي من أعمق وأغنى أشكال
التعبير الأدبي في العالم العربي، حيث ينبض بتاريخ عريق ولغة فصيحة تسعى الى الصدق
وبالتالي لا يمكن فهم هذا الشعر إلا عبر السياقات المتداخلة بين التاريخ والسياسة
والثقافة والإنسان، فهو سجل حي يعكس حياة العراقيين بكل ما فيها من آلام وأفراح
وآمال،وطموح ويظل الوسيلة الفنية التي توثق تجاربهم وتترجم مشاعرهم بصدق وعمق .
وفي هذا الإطار تميز الشعر العراقي بلون
عاطفي حزين عميق، حتى أصبح هذا الحزن سمة بارزة تميز القصيدة العراقية عن غيرها من
أشكال الشعر العربي. هذا الحزن ليس مجرد رد فعل عابر أو انفعال لحظي، بل هو نتاج
تراكمات تاريخية وحضارية، وتوالي مآسي وصراعات مستمرة بين الإنسان العراقي وبيئته.
وبما لا يدع مكانا للشك انه ومن خلال
متابعتي للشعر والثقافة والأدب العراقي، يمكنني القول إن الحزن لم يكن شيئًا
عابرًا في حياة العراقيين، بل أصبح جزءًا ثابتًا من مشاعرهم وهويتهم. هذا الحزن
انعكس بوضوح في القصائد والأغاني والحكايات الشعبية، وكان نتيجة لمجموعة من
الأسباب والعوامل التي شكلت وجدان الإنسان العراقي، ومن أبرز هذه العوامل:-
التجربة التاريخية والمآسي
المتكررة
مرَّ العراق خلال تاريخه بالكثير من الأحداث الصعبة مثل
الحروب والاحتلالات والمحن، من أيام الغزو المغولي وسقوط بغداد، والاحداث
التاريخية الاسلامية، وحتى الحروب الحديثة والحصار والاحتلال في العقود الأخيرة.
كل هذه المآسي تركت أثرًا عميقًا في نفوس العراقيين، وخلقت شعورًا دائمًا بالحزن
والخسارة. لهذا السبب، أصبح الشعر العراقي وسيلة للتعبير عن هذا الألم.
الحنين والاغتراب
لطالما شعر الإنسان العراقي بالحنين، حتى عندما يكون في
وطنه ومع تزايد حالات التهجير القسري والسفر والابتعاد عن الأهل، أصبح هذا الحنين
أعمق وأكثر إيلامًا. فالغربة لم تعد مرتبطة فقط بالبعد الجغرافي، بل أصبحت أيضًا
حالة نفسية يعيشها العراقي أينما كان.
الثقافة الشفوية والتراث
الشعبي
يُعد العراق من أغنى الدول العربية في التراث الشفهي، حيث
تتناقل الأجيال الأمثال والحكايات والمراثي والأغاني الشعبية التي تعبر عن الحزن
والأسى. هذا التراث الشعبي كان له دور كبير في تشكيل الحس الشعري العراقي، إذ
تستمد القصائد صورها ومشاعرها من هذه الموروثات، لتصبح القصيدة بمثابة صوت الجماعة
الذي يعكس آلامها وهمومها.
الصراع الوجودي والقلق
الحضاري
يواجه الإنسان العراقي صراعًا دائمًا بين فخره بحضارة
بلاده العريقة في الماضي وتاريخه، والمعاناة التي يعيشها في الحاضر.وبين الغنى
والخيرات الموجوده لديه وبين واقع الحال والفقر الذي يعيشه هذا التناقض يولد
شعورًا بالقلق والحزن العميق، يعبر عنه الشعر العراقي بصور تجمع بين المجد القديم
وخيبة الأمل الحالية، مما يخلق شعورًا بالغربة والخذلان في القلب.
وختامآ...
الحزن في الشعر العراقي ليس مجرد شعور
عابر، بل هو جزء أساسي من التجربة الشعريةهذا الحزن يحمل أبعادًا تاريخية وعاطفية
وفكرية تعكس عمق التجربة العراقية. ومن خلال هذا الحزن، حول الشعراء ألمهم إلى فن
راقٍ، والمعاناة إلى إرثً إنسانيً يتجاوز الزمان والمكان. ولا يفوتنا ان ننوه هنا إن
أجمل الأشياء في الحياة هي الماء والأرض الخضراء والوجه الحسن،هذه الأشياء كلها
موجودة في العراق؛ حيث يروي نهري دجلة والفرات الأرض، وتزدهر الأرض بالخضرة، ويظهر
الخير والجمال في وجوه الناس رغم صعوبات الحياة ومن زاوية اخرى يمكن القول ان لهجة أهل العراق تحمل في طياتها دفئاً
وحناناً،وتتميز بتعبيرات رومانسية نابعة من القلب، هذه اللهجة تتسم بالعذوبة
والبساطة في التعبير،مما يجعل الكلمات تصل مباشرة إلى مشاعر المحبوبين بصدق وعمق .