
القلعة نيوز- بقلم الدكتور شوقي أبو قوطة
ليس من المبالغة القول: إن عهد جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين شكّل نقطة تحوّل محوريّة في مسيرة الشباب والرياضة الأردنية، فمنذ تولّيه سلطاته الدستورية، حمل جلالته إيمانًا راسخًا بأنّ الشّباب هُمْ رأس المال الحقيقيّ للوطن، وأنّ الرّياضة ليست مُجرّد منافسات تُخاض على الملاعب؛ بلْ هي رافعة للتّنمية، وأداة لبناء الهوّية الوطنيّة، وجسر حضاري نحو العالم.
تحت هذا التّصور، انطلقت سِلسلةً من المشاريعِ والمبادراتِ الّتي لَمْ تبقَ حبرًا على ورق؛ بلْ تُرجِمَت إلى واقعٍ ملموس، ففي مطلع عام 2025، وبأمرٍ ملكيٍّ مباشر، بدأت الحكومة بإنشاء ملعب كرة قدم دولي في العاصمة عمّان، ضمن خطة شاملة لتطوير مجمعات الحسين الرياضية ومراكز الشباب في مختلف المحافظات. لم تكن الغاية تشييد مبانٍ إسمنتية، بلْ بناء بيئة رياضية مستدامة تُصقل المواهب وتُعدّ الأبطال للمنصات العالمية.
هذه الأرضيّة القويّة، فتحت المجال أمام بروز مواهبٍ أردنيّةٍ فرضت حضورها بقوّة على السّاحة الدّولية. إنجاز أحمد أبوغوش في أولمبياد ريو 2016، حين أهدى الأردن أوّل ميدالية ذهبية أولمبية في التاريخ، لم يكنْ إلا البداية، حينما تَبِعه ظهورًا لافتًا لحمزة قطّان في التّايكواندو، وعلاء الدين أبو الراغب في الكاراتيه، وصعود نجم لاعبي كرة القدم كموسى التّعمري ويزن النعيمات. هذه الأسماء لم تكن لامعة فقط بأدائها، بلْ كانت مُحاطةً بدعمٍ ملكيٍّ مُباشرٍ ومُتابعةٍ دقيقةٍ، تجسّدت في التّكريمات الرّسمية والتّوجيهات الحثيثة لمواصلة الاستثمار في الإنسان قبل الإنجاز.
وفي لحظةٍ لا تُنسى، دَوّن المنتخب الوطنيّ صفحةً ذهبيّةً في تاريخ الرّياضة الأردنية، عندما حجز مكانه في نهائيات كأس العالم 2026، بعد انتصارٍ مُميّزٍ على عمان، سجّل فيه النّجم علي علوان ثلاثية تاريخية. ذلك التّأهل لَمْ يَكن حصيلة مباراة، بلْ حصادُ سنواتٍ من العمل الدّؤوب الذي رَعَتْهُ القيادة الهاشمية، إيمانًا بأنّ المنتخب ليس مُجرّد فريق يُنافس، بلْ هو رمز لوحدة وطنية ومصدر فخر شعبي.
وعلى مستوى التّنظيم والاستضافة، أصبح الأردن عنوانًا للثقة والقدرة، حين نجح في استضافة كأس العالم لكرة القدم للسيدات تحت 17 عامًا عام 2016، وبطولات قاريّة مثل كأس آسيا لليد في نسختي 2018 و2024، وكأس آسيا للشباب. لم يكن الهدف فقط تعزيز الحضور الرياضي، بل التّأكيد على أنّ الأردن قادر على أن يكون جزءًا فاعلًا من المشهد الرياضي العالمي، تنظيميًا وفنيًا وإعلاميًا.
ترافق ذلك مع إطلاق مجموعة من المبادرات التي نقلت الدّعم الرياضي من قاعات التدريب إلى قاعات المدارس والمجتمع، أبرزها "جائزة الملك عبدالله الثاني للياقة البدنية"، التي استهدفت تعزيز الوعي الصحي والنشاط البدني منذ سن مبكرة، و"جائزة الملك عبدالله الثاني للتميز والإبداع الشبابي"، التي خَلقت بيئةً تنافسيّةً مُحفزّةً لتفجير طاقات الابتكار، كما لعب صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية دورًا محوريًا في تحويل الأفكار إلى مشاريع، والطّموحات إلى واقع، ضمن رؤية تُعلي من قيمة الإنسان المبدع.
كلّ هذه الإنجازات لم تكن مُنفصلةً عن السّياق العام للتنمية في البلاد، فالرّؤية الملكية لم تكن تنظر إلى الرياضة كقطاعٍ مُنعزل، بلْ كجزء لا يتجزّأ من منظومة شاملة تشمل التّعليم، والشّمول المالي، والتّحوّل الرّقميّ، والتّمكين التّكنولوجي. هذا التّكامل خلقَ بُنيةُ تحتيّةً فكريّةً قبل أن تكون ماديّة، تنظر إلى الشّاب الأردني على أنه مشروع نجاح، سواء في الملعب أو المختبر أو السوق أو المسرح.
ولعلّ أهم ما يُميز هذه المرحلة، هو أنّ الرياضة لم تُستخدم كأداة لتلميع الصورة، بلْ كوسيلة لصناعة المستقبل. بنى جلالة الملك عبدالله الثاني منظومةً متكاملةً تستثمر في الرّياضة كوسيلة تربويّة، ومصدر اعتزازٍ وطنيّ، ومجال لتكريس قيم العمل الجماعيّ، والانضباط، والطموح، والتّفوّق. لم تكتفِ الدّولة بإنتاج لاعبين، بلْ أنتجت قدوات، ومهّدت الطريق لأجيال ترى في الرياضة ليس فقط وسيلة للترفيه، بلْ بابًا للنّهضة والتّغيير.
وهكذا، وبينما يسير المنتخب الوطني بثباتٍ نحو كأس العالم 2026، تسير معه أمّة كاملة، تحمل في ذاكرتها إنجازات، وفي قلبها طموحات، وفي حاضرها قيادة تُؤمن بالشّباب. إنّه مشهدُ تتشابكُ فيه الرّياضة بالسّياسة، ويتعانق فيه الحلم بالإنجاز، وتُروى فيه قصةُ وطنٍ آمنٍ بِقُدرات أبنائه، فوصل إلى العالم.
وكل عام والوطن بألف خير.