
القلعة نيوز- برزت مجددا خطورة الشائعات والأخبار الزائفة التي تبث عبر الفضاء الرقمي، مستهدفة وعي المواطن واستقراره النفسي والاجتماعي لا سيما مع تسارع تطورات الذكاء الاصطناعي وتوافر أدواته التي أصبحت في متناول الجميع، مما جعل تزييف الواقع وقلب الحقائق أسهل من أي وقت مضى.
وقال خبراء لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، إنه وفي ظل تصاعد وتيرة الأزمات الإقليمية والدولية، وتزايد مشهد الغموض والتضليل الإعلامي، فقد أصبح الوعي الفردي، هو الحصن الأول ضد الشائعات، خصوصا في أوقات الأزمات والحروب، موضحين أن "غياب الوعي يسهم في نشر المعلومات الكاذبة من دون قصد، ويخلق حالة من الارتباك الشعبي، حتى في الدول التي تملك أنظمة رقمية متقدمة".
وأكدوا، أهمية الرجوع إلى وسائل الإعلام الموثوقة لاستقاء المعلومات ومتابعة الأخبار كونها الجهة التي تمتلك الدقة وتنتهج الموضوعية والحياد في تبني الحقائق، لافتين إلى أن الحفاظ على أمن المجتمع وسلامة النسيج الوطني لا ينفصل عن وعي المواطن وسلوكه الرقمي، فمعركة الشائعات ليست فقط معركة مؤسسات، بل هي معركة وعي ومسؤولية جماعية.
وقالوا: "تزداد الحاجة في زمن الذكاء الاصطناعي، إلى ذكاء بشري نقدي، قادر على التمييز، والتأني، والتمسك بالحقيقة في وجه الطوفان المعلوماتي".
وأكدوا، أن الأردن قطع شوطا متقدما في تعزيز بنيته الرقمية، ويعد اليوم من الدول الرائدة إقليميا في مجالات الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، مشيرين إلى أن المملكة طورت سياسات واستراتيجيات وطنية لحماية الفضاء الرقمي، وتحصين المجتمع من التهديدات السيبرانية، ومواجهة موجات التضليل الرقمي.
الدكتور محمد سالم العتوم أستاذ الأمن السيبراني والمتخصص بالجامعة الأردنية، شدد على أن المواطن الواعي يمثل خط الدفاع الأول عن أمنه المعرفي والاجتماعي، لافتا إلى أن ما يحدث من فوضى معلوماتية في ظل الأزمات، مثل الحرب الحالية بين إيران وإسرائيل، يكشف هشاشة بنية الوعي الجمعي حين لا تُعزّز أدوات التفكير النقدي.
وأكد العتوم، أن وسائل الإعلام المختلفة مطالبة بتقديم خطاب متزن وسريع ودقيق، يمنح المواطن ثقة بمصادر المعلومات الوطنية، موضحا أهمية التربية الإعلامية والمعلوماتية في المدارس والجامعات، لتعزيز قدرات الشباب على التمييز بين الحقيقة والتضليل.
الدكتور رائد القرعان، الخبير في الأمن المعلوماتي وشؤون التعلم الإلكتروني، أكد أن الفضاء الرقمي أصبح بيئة خصبة لترويج الأخبار الزائفة، خاصة في ظل الحروب والنزاعات، حيث تتعاظم الحاجة إلى المعلومة الدقيقة، ويقل التحقق من صحتها.
وأوضح، أن الذكاء الاصطناعي أسهم في تسهيل إنتاج محتوى مضلل بطريقة تبدو حقيقية، سواء من خلال الصور "المفبركة" أو النصوص أو حتى المقاطع المصورة، محذرا من ضعف وعي بعض المستخدمين الذين يعيدون نشر هذه المعلومات دون تمحيص، مما يضاعف من خطورتها.
وبين، أن التحدي الحقيقي لم يعد فقط في تأمين الأنظمة، بل في تمكين المواطن من فهم البيئة الرقمية، واكتساب مهارات التحقق من المعلومات، وعدم الوقوع ضحية لمحتوى مزيف ينتج عبر أدوات ذكاء اصطناعي تحاكي الواقع ببراعة مذهلة.
وأشار الدكتور القرعان إلى أن تعزيز الثقافة الرقمية لدى المواطن، ومهارات التحقق من المعلومات، لم تعد ترفا بل ضرورة وطنية، داعيا المؤسسات التعليمية والإعلامية إلى تطوير برامج توعوية مستدامة، وإشراك المواطنين في جهود التصدي للشائعات، عبر التبليغ، والتفنيد، والامتناع عن التداول غير المسؤول.
الدكتور صالح خلايلة، الباحث في الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية بجامعة العقبة للتكنولوجيا، حذر من الاستغلال السيئ لتقنيات الذكاء الاصطناعي في توليد محتوى زائف يحمل طابعا سياسيا أو أمنيا، ويستخدم لخلق انقسامات داخلية، أو تشويه صورة الدول والمؤسسات.
وأشار إلى أن هناك حملات ممنهجة تستغل الأزمات لبث الذعر والبلبلة بين المواطنين، من خلال سرديات زائفة مدعومة بصور ومقاطع فيديو "مفبركة" يصعب كشفها من قبل العامة.
وأكد خلايلة، أن الوقاية من التضليل تبدأ من وعي الفرد، ولا تنتهي إلا بمنظومة متكاملة من السياسات الرقمية، والتشريعات، والتعليم، والتدريب الإعلامي، داعيا إلى تبني استراتيجية وطنية شاملة للتصدي للمعلومات المضللة، وخاصة في أوقات الطوارئ.
--(بترا)