
البرنامج النووي الإيراني: من دعم أمريكي إلى ضربة أمريكية
القلعة نيوز:
بقلم: المهندس ثائر عايش مقدادي
في مفارقة تاريخية تحمل الكثير من الدلالات، بدأ البرنامج النووي الإيراني بدعم مباشر من الولايات المتحدة، لينتهي اليوم بضربة أميركية موجعة تُضاف إلى سجل طويل من المواجهات بين طهران وواشنطن. الضربة الأميركية التي وقعت اليوم ليست مجرد رد فعل عسكري، بل هي فصل جديد في قصة معقدة من الشراكات، والانقلابات السياسية، وحروب الظل.
في خمسينيات القرن الماضي، وتحديدًا عام 1957، وضمن برنامج "الذرة من أجل السلام” الذي أطلقه الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور، بدأت الولايات المتحدة تعاونها النووي مع إيران في عهد الشاه محمد رضا بهلوي. تم تزويد إيران بمفاعل أبحاث نووي، وتدريب العلماء، وتأسيس قاعدة علمية كانت واعدة حينها. بل إن الوثائق تُظهر أن واشنطن كانت تتوقع أن تصبح إيران واحدة من الدول الرائدة في مجال الطاقة النووية في الشرق الأوسط.
انقلبت المعادلة تماماً بعد الثورة الإسلامية عام 1979. سقط الشاه، واعتلى رجال الدين الحكم بقيادة آية الله الخميني، لتتحول إيران من حليف للغرب إلى خصم إقليمي شرس. توقف الدعم الأميركي، وفرضت واشنطن عقوبات مشددة، وسعت لشل أي تطور نووي إيراني.
ومع ذلك، بدأت طهران بإعادة بناء برنامجها النووي بسرية، بالتعاون مع دول مثل روسيا والصين وباكستان. في التسعينيات، ظهرت بوادر تخصيب اليورانيوم، ثم تكشفت منشآت مثل نطنز وأراك، وبدأت الشكوك تتزايد حول وجود مسار عسكري محتمل.
ما بين 2003 و2023، ظل البرنامج النووي الإيراني موضوعاً محورياً في السياسة الدولية. تعاقبت الضغوط والعقوبات، ووقّع الاتفاق النووي في 2015 بين إيران والدول الكبرى، ثم انسحبت إدارة ترامب منه في 2018، لتعود حالة الشد والجذب إلى المشهد.
في هذه الفترة، شهد العالم عمليات اغتيال لعلماء إيرانيين بارزين، وهجمات إلكترونية مثل Stuxnet، وضربات جوية استهدفت مواقع إيرانية في سوريا والعراق. التوتر لم يكن محصورًا في التصريحات، بل كان يُدار على الأرض وفي الفضاء السيبراني.
الضربة التي وقعت اليوم واستهدفت إحدى المنشآت أو المواقع المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، تأتي في وقت حساس جدًا من تاريخ الشرق الأوسط. الرسالة الأميركية كانت واضحة: لا تساهل مع أي خطوات نووية إيرانية يُشتبه بأنها تمهيد لسلاح نووي.
التفاصيل الكاملة للهجوم لم تُكشف بعد، ولكن مصادر إعلامية وأمنية تتحدث عن دقة في التنفيذ، وأثر استراتيجي يتجاوز الأضرار المباشرة. هذه الضربة تُذكّر باغتيال محسن فخري زاده في 2020، أو الهجوم السيبراني قبل ذلك بسنوات، وكلها تُظهر أن البرنامج النووي الإيراني ليس شأناً داخليًا فقط، بل ساحة صراع دولي مكشوف.
اليوم، وبعد أكثر من 60 عامًا على الدعم الأميركي الأول للبرنامج النووي الإيراني، نجد أن هذه القصة المليئة بالتحولات تعيد نفسها لكن بأدوات مختلفة. الدعم تحوّل إلى هجوم، والشراكة إلى عداوة، والعلماء إلى أهداف، والمنشآت إلى أهداف عسكرية.
لكن ما لم يتغير هو أن البرنامج النووي الإيراني سيظل نقطة اشتعال إقليمي ودولي، ما دام لم يُحسم الجدل حول نواياه، وما دامت طهران وواشنطن تصرّان على الصراع بدلًا من التسوية.