
القلعة نيوز- بينما تمضي اقتصادات المنطقة في مواجهة اضطرابات سياسية وحروب متواصلة، ينجح الاقتصاد الأردني في تسجيل نمو لافت بنسبة 2.7 بالمئة خلال الربع الأول من عام 2025، متجاوزا التوقعات ومؤكدا قدرته على الصمود والتحول في بيئة إقليمية معقدة.
هذا الأداء اللافت يعكس تحسنا تدريجيا في القطاعات الإنتاجية، ويمنح إشارات مبكرة على بدء التعافي الاقتصادي، رغم استمرار التحديات المرتبطة بالطاقة، والبطالة، وتراجع قطاعات حيوية.
ويعد هذا الأداء الاقتصادي مفاجئا إلى حد كبير في ظل استمرار الضغوط الخارجية، وارتفاع تكاليف الطاقة، وتراجع بعض القطاعات الكبرى، إلا أن القطاعات الإنتاجية أظهرت ديناميكية ساعدت في تحقيق هذا النمو النسبي الذي وصفه متخصصون بأنه "مشجع ومبشر بتحول تدريجي".
وأظهرت نتائج تقديرات دائرة الإحصاءات العامة ارتفاعا في نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي للربع الأول من عام 2025 بنسبة 2.7 بالمئة بالأسعار الثابتة، مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي والتي بلغت 2.2 بالمئة.
ووفقا للتقديرات حققت غالبية القطاعات الاقتصادية بالمملكة نموا ملحوظا خلال الربع الأول من العام الحالي، مقارنة مع الربع الأول من العام الماضي، رغم استمرار الظروف الإقليمية وتداعياتها وتأثيراتها على اقتصادات المنطقة والعالم، وهو ما ينسجم مع أهداف رؤية التحديث الاقتصادي التي تستهدف رفع نسب النمو تدريجيا.
وسجلت مؤشرات الاقتصاد الوطني تطورات إيجابية منذ بداية العام الحالي، حيث نمت الصادرات الوطنية للمملكة في الثلث الأول من العام الحالي، بنسبة 10.6 بالمئة، لتبلغ قيمتها 2.752 مليار دينار، مقابل 2.488 مليار دينار للفترة نفسها من العام الماضي.
وبلغت الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي 22.8 مليار دولار في نهاية شهر أيار الماضي من العام الحالي والتي تكفي لتغطية مستوردات المملكة من السلع والخدمات مدة 8.8 شهر.
كما تم احتواء معدلات التضخم عند مستويات قريبة من 2 بالمئة خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي.
كما ارتفع إجمالي ودائع العملاء لدى البنوك بنسبة 6.8 بالمئة على أساس سنوي، لتصل إلى 47.3 مليار دينار بنهاية شهر نيسان الماضي من العام الحالي، وتسجيل التسهيلات الائتمانية الممنوحة من قبلها نموا بنسبة 3.4 بالمئة على أساس سنوي، لتبلغ ما يقارب 35.2 مليار دينار
وارتفع الدخل السياحي بنسبة 15.7 بالمئة خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي ليصل إلى 3.1 مليار دولار، وكذلك تحويلات العاملين في الخارج بنسبة 3 بالمئة خلال الثلث الأول من العام الحالي لتصل إلى 1.2 مليار دولار.
وأكد خبراء اقتصاديون لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أن هذا النمو يعكس تطورا تدريجيا في البنية الاقتصادية الأردنية، ويعزز من قدرة المملكة على مواجهة الصدمات الخارجية، لكنه لا يخلو من التحديات التي تستوجب تدخلا هيكليا لتعزيز العدالة الاجتماعية وخلق فرص عمل حقيقية.
وزير الاقتصاد الأسبق الدكتور يوسف منصور، قال، إن نسبة النمو البالغة 2.7 بالمئة خلال الربع الأول من 2025 تعد "إشارة صحية وإيجابية"، خاصة وأن السنوات الأربع الماضية لم تشهد مثل هذا الأداء.
وأوضح أن هذا النمو تحقق بزيادة قدرها نصف نقطة مئوية مقارنة بالربع الأول من العام الماضي، وهو ما يعد تقدما واضحا في بيئة اقتصادية طبيعية.
وأشار منصور إلى أن النمو الاقتصادي الحقيقي عادة لا يقفز فجأة، ما لم يكن هناك مؤثرات خارجية كبيرة، كما حدث بين عامي 2004 – 2008 عند تدفق 14 مليار دولار للاقتصاد الأردني بفعل هجرة العراقيين. وأضاف: "تحقيق نمو بنسبة 0.5 بالمئة دون عوامل خارجية يعتبر إنجازا داخليا بامتياز".
ونوه بأن قطاع الصناعات التحويلية كان من أبرز محركات هذا النمو، وهو ما يعكس أداء الاقتصاد الحقيقي وقيمته المضافة، كما لفت إلى أن انخفاض البطالة – ولو بنسبة طفيفة تبلغ 0.1 بالمئة يعد دلالة على تحرك اقتصادي تدريجي في الاتجاه الصحيح.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش، إن أداء الاقتصاد الوطني خلال الربع الأول من هذا العام يظهر تطورا إيجابيا ومرونة ملحوظة، خاصة في ظل استمرار تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة.
وأضاف أن نسبة النمو المحققة تعكس "قدرة الاقتصاد الأردني على امتصاص الأزمات والانتقال نحو مرحلة تعاف"، مشيرا إلى أن ذلك يحمل رسالة واضحة للمستثمرين والفعاليات الاقتصادية حول متانة السياسات الاقتصادية الأردنية.
واعتبر عايش أن النمو البالغ 2.7 بالمئة، رغم أنه لا يمثل قفزة نوعية، إلا أنه يعد مؤشرا مهما وسط حالة عدم اليقين الإقليمي والدولي، خاصة مع استمرار التحديات مثل ارتفاع تكاليف الطاقة وتقلبات الأسواق.
وأوضح أن نمو قطاع الزراعة بنسبة 8.1 بالمئة كان لافتا، رغم محدودية مساهمته التقليدية في الناتج المحلي، كما أشار إلى تحسن ملحوظ في قطاع الكهرباء والمياه، بينما لا تزال قطاعات كالسياحة والنقل والإنشاءات تعاني من الضعف نتيجة استمرار التوترات الإقليمية.
بدوره، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عدلي قندح إن نسبة النمو المحققة تعد مؤشرا أوليا على تعاف تدريجي لبعض القطاعات الإنتاجية، خاصة في ظل التحديات الإقليمية الحادة، مثل التصعيد الإيراني-الإسرائيلي وقطع الغاز.
وأوضح قندح أن النمو تحقق بدعم من قطاعات مثل الزراعة 8.1 بالمئة والصناعات التحويلية 5.1 بالمئة، لكنه حذر من أن هذه القطاعات وحدها لا تكفي لإحداث تحول هيكلي شامل، خاصة في ظل ركود قطاعات ذات قدرة تشغيلية عالية مثل السياحة والإنشاءات.
ودعا قندح إلى التركيز على سياسات استثمارية ذكية، وايجاد فرص عمل حقيقية، وتحفيز الابتكار، حتى لا يبقى النمو مجرد رقم بل يتحول إلى أثر ملموس في حياة المواطنين.
من جهته، قال أستاذ المالية في جامعة آل البيت الدكتور عمر الغرابية، إن تسجيل الاقتصاد الأردني لنمو بنسبة 2.7 بالمئة يعد دليلا على مرونة الاقتصاد الوطني ونجاح السياسات الحكومية رغم التحديات الإقليمية المتعددة.
وأشار إلى أن استقرار الأردن السياسي والنقدي مقارنة بجيرانه، إضافة إلى التنوع القطاعي، كان له أثر في تعزيز الأداء الاقتصادي.
وأضاف أن نمو قطاعات الزراعة والصناعات التحويلية والكهرباء ساهم في تقليل الاعتماد على قطاع واحد ورفع قدرة الاقتصاد على مواجهة الصدمات.
ونوه الغرايبة بأن الإصلاحات في بيئة الأعمال، كتحسين إجراءات تسجيل الشركات وتقديم الحوافز، عززت من ديناميكية القطاعات الصغيرة والمتوسطة، كما ساعدت السياسات النقدية المستقرة على الحفاظ على قيمة الدينار واحتياطيات النقد الأجنبي.
وأكد الغرايبة أن استمرار النمو المستدام يتطلب التركيز على الابتكار، وتحسين المهارات، وتعزيز الاستثمار في التعليم والتقنيات الحديثة لتحويل النمو الاقتصادي إلى تنمية شاملة يشعر بها المواطن.
--(بترا)