
"ما كل صخبٍ قوّة، ولا كل وقاحةٍ كرامة"
الصحفي محمد الفايز
مقولة متداولة على السوشيال ميديا ،"تُشبِه الخَيل في ثلاث خصال: عِنادها، وعِزّتها، وأصالتها"، واحياناً تضع مع صورة البكيني، وقد يبكيني هذا، وهذه المقولة، برغم إيجازها، تحمل في طيّاتها معاني رفيعة ودلالات عميقة عن كرامة النفس، ومتانة الخُلق، وثبات الأصل، ولكن للأسف كثيرًا ما تُستقطع معاني مثلها أو تُشَوَّه عند تداولها، كما حدث في عبارات عديدة منها "اخت رجال” وغيرها، حيث تؤول بشكل سطحي يبتعد تمامًا عن جوهر القصد وعمق المعنى، وفي هذا المقال، نُسلّط الضوء على المعنى الحقيقي، ونُفَنّد المفاهيم المغلوطة التي تسوّقها بعض منصات التواصل الاجتماعي.
كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ…}، فهذه العزة لا تعني الصخب ولا التسلّط، بل تعني الكرامة، والسمو، وعلوّ النفس عن الدنايا، والثبات على المبدأ، وقد ورد في الحديث الشريف، "ليس الشديد بالصُّرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”، فالعناد الذي يشبّه بالخيل، إنما هو عناد المبدأ، لا عناد الهوى، وقال جبران خليل جبران، "الكرامة أثمن ما يملكه الإنسان، فإن فقدها لم تبقَ له قيمة”، وقال إيمانويل كانت، "احترم نفسك ليحترمك الآخرون، فلا كرامة دون أخلاق”، وقال سقراط، "المرأة القوية لا ترفع صوتها لتُسمِع، بل ترفع أخلاقها لِيُصغى لها”.
فالمفاهيم الخاطئة تشوه الجوهر، ولقد أصبح شائعًا للأسف أن يُختزل وصف "المرأة القوية” أو "اخت رجال” بتصرفات لا تمُت للكرامة ولا للعقل بصلة، فيُظن أنها، تردح في الشوارع، تتلفظ بألفاظ بذيئة، "تزاحم” الرجال في فظاظتهم، تتباهى بجرأتها المفرطة، تتخلى عن الحياء وهو الثوب الذي تتزين به الأنثى، وبالعامية من يكون حديثها من السر وتحت بأعلى درجات الوقاحة هذه ليست اخت رجال ولا تمت لصفات الخيل بشيء، وهذا باطل، القوة ليست سفاهة، والكرامة ليست وقاحة، كما أن الأصالة ليست تمردًا أجوفًا.
ونأتي بالتفسير الحقيقي للمقولة، حين تقول، "تُشبِه الخَيل في عنادها، وعزّتها، وأصالتها”، فإن المقصود، العناد، وهو الثبات على الحق، لا المجادلة للباطل، كما الخيل لا تستجيب لأي راكب لا يُجيد التعامل معها، كذلك الأصيل لا يخضع إلا لما يؤمن به، والعِزّة، هي الاستغناء بالعفة، والأنفة من الذل، والابتعاد عن المهانة، والأصالة هي النسب الشريف، والخلق الرفيع، والمبدأ الثابت.
"واخت الرجال” ليست من تُزايد بالصوت، حين تُقال "اخت رجال”، فليس المعنى أن تلبس الخشونة، أو تنزع الحياء، أو تتبجّح بعبارات سوقية، بل المعنى أن تكون صاحبة موقف، حافظة لعرضها، ذكية بردّها، سامية بأخلاقها، لا تُمهّد الطريق كي يحاوروا جسدها دون عقلها.
لا تُشوّهوا القيم، فما نُشر على وسائل التواصل لا يعبّر دومًا عن الحقيقة، فالمرأة الحرة الأصيلة، لا تُعرّف بحدة لسان، بل بصفاء عقل، ولا يُحتكم لقوتها بعدد الشتائم التي تتقنها، بل بقدرتها على كظم الغيظ، وردّ الباطل بالحق، والجهل بالحجة.
"الأصالة موقف لا "ترند”، والعناد مبدأ لا انفعال"