
القلعة نيوز:
في المشهد الذي تلا قرار حلّ المجالس المحلية والبلدية المنتخبة، بدا أن ارتياح الناس لم يكن خفيًّا، بل علنيًّا ومعبّرًا، امتزج بكلمات الراحة والتنفّس من حملٍ ثقيل.
وقد يُخيَّل إلى المتابع من بعيد أن أولئك الذين تم حلّهم قد فُرضوا على الناس قسرًا، أو نزلوا من غير أرضهم، وغُرِسوا في مقاعدهم دون اختيارٍ أو اقتراع، لكن الحقيقة أكثر بساطةً ومرارة.
فمن وصل إلى تلك المجالس لم يكن غريبًا عن المجتمع ولا بعيدًا عن محيطه بل جاء بأصواتنا وتزكياتنا واحتفالاتنا.
ولذلك، فإن استهجان النتيجة دون مراجعة المسار هو تجاهلٌ لما هو أعمق من القرار ذاته.
في هذا السياق يجب علينا أن نعلم أن العملية الانتخابية ليست مناسبة اجتماعية، ولا طقسًا عشائريًا، ولا امتدادًا لانتماءاتنا الضيقة،بل هي فعل واعٍ ومسؤولية كبيرة، واختيار لا يخص الفرد وحده، بل ينعكس على عموم الناس، وعلى جودة الخدمات، وحُسن التخطيط، وعدالة التنمية.
وحين تتحوّل أوراق الاقتراع إلى امتداد للمصالح والمحسوبيات، وتُختزل الكفاءة في القربى والانتماء، فإن النتيجة تكون بحجم سوء الاختيار.
نحن اليوم في سياق وطني يسعى نحو التحديث، والتطوير، والإصلاح على المستويات كافة، وهذا التحديث لا يُكتب له النجاح إذا بقيت الممارسة الشعبية رهينة للعاطفة، والتقليد، والارتهان للوجاهة بدلاً من الكفاءة.
إن المجالس المحلية بصيغتها الحديثة، هي أدوات حقيقية للتنمية المتوازنة، والرقابة على المشاريع، ومتابعة شؤون الناس، وهي ليست موقعًا للزينة أو الوجاهة، بل مسؤولية يُحاسَب صاحبها ويُسأل، والمحاسبة لا تبدأ من الجهات الرقابية فقط، بل من الناس أنفسهم، من ثقافة الاختيار، من جدية الناخب في تقدير أثر صوته، ومن وعي المجتمع بأن من يُنتخب اليوم، هو من يضع خارطة الطريق لأربعة أعوام قادمة.
اليوم، لا تكفي النوايا الحسنة لبناء مجلس ناجح، بل لا بد من أن يرافقها وعيٌ شعبي ناضج، ورفضٌ للممارسات التي أفسدت كثيرًا من التجارب السابقة، وعلى رأسها "الفزعة"، و"الترضية"، و"الصفقات الانتخابية".
إنّ مستقبل المجالس القادمة يجب أن يُبنى على الكفاءة، والأمانة، والشفافية، وحُسن الأداء، وذلك لا يتحقق إلا بوعي الناخب، وجرأته على تجاوز الولاءات المؤقتة، لصالح المصلحة العامة.
اخيراً، الأوطان لا تُبنى بالترضيات، ولا تنهض بالمجاملات، والصوت، حين يُمنح لغير مستحقّه، يتحوّل إلى خيبة مؤجلة.
فلنجعل من التجربة درسًا، ومن السخط وعيًا، ومن الانتخابات القادمة فرصة حقيقية للتصحيح، لا لتكرار الأخطاء، فالموقع العام ليس امتيازًا شخصيًا، بل تكليف لخدمة الناس، وتحقيق ما أمكن من آمالهم.