
القلعة نيوز- فداء الحمزاوي - المسرح الحر
في مساءات مهرجان ليالي المسرح الحر الدولي العشرين، جاء العرض الأردني التجريبي "حمام الهنا” ليقدّم رؤية مسرحية شجاعة تغوص في عمق تركيبة الرجل الاجتماعية والنفسية، وتحفر في المسكوت عنه من أدواره داخل مجتمعاته.
المسرحية التي أخرجها هشام سويدان، بمساعدة المخرج محمود الخواجا، لا تقف عند حدود الحكاية التقليدية، بل تنطلق من مختبر تجريبي يتحدى أدوات الممثل ويدفع بعناصر العرض المسرحي إلى فضاءات السريالية والتغريب، مستلهماً تجارب روّاد مثل بينا باوش في الرقص التعبيري، وميرهولد في بايوميكانيكا الجسد. كل ذلك داخل بناء بصري معاصر يراهن على الصورة والحركة لتشكيل إيقاع العرض وتكثيف حضوره على الخشبة.
تدور المسرحية داخل حمام شعبي مساحة يستريح فيها الرجال من عناء يومهم، لكنها في العمل تتحوّل إلى مختبر نفسي واجتماعي يُعرّي تصدّعات الرجل في مواجهة قوالب الرجولة المفروضة عليه.
خمسة رجال، يلتقون بالمصادفة، كلٌّ يحمل حكاية وجرحاً وهمّاً، ليُفتح عبرهم ملف "الرجل” ككائن معقّد بين الرأس والقاعدة، بين السلطة والقيد، بين العمود الفقري للمجتمع وسجنه الداخلي.
المسرحية تسير بسلاسة من مشهد إلى آخر، تارةً عبر لوحات جسدية تستحضر البايوميكانيكا، وتارةً من خلال لغة محكية تراهن على إيصال المعنى دون تعقيد. لا عبث ولا كسر للجدار الرابع بل استحضار للخيال وتحريض للعقل كي يُفكّر ويجادل ويُعيد خلق عوالم موازية مع الشخصيات لذا جاءت النهاية مفتوحة على ذروة الحدث، كإعلان مقصود لإشراك المتفرّج في فكّ شيفرة القضية المطروحة.
أسهم في بناء هذا العالم المسرحي موسيقى عامر عبد الله، فيما تقاسم التمثيل باحتراف كلٌّ من سيف مشاقبة، كريم كرم، أحمد إسماعيل، يزن عيد، مثنى الزبيدي، وعمر أبو غزالة، الذين قدّموا أداءً مركّباً يراوح بين التعبير الجسدي والتجسيد الواقعي.
"حمام الهنا” ليس عرضاً للاستهلاك، بل تجربة مسرحية تُحاكي جراح الرجل المسكوت عنها، وتدعونا لنفكّر، وربما لنكسر القيد ونفك عقدة النفس التي تكاد لا تفارقنا.