شريط الأخبار
صندوق النقد يتوقع خفض الفائدة الأميركية مفارقة كبيرة بين فرص العمل المستحدثة للعام 2024 وبيانات الضمان.! #عاجل كريستيانو رونالدو يصبح أول لاعب كرة قدم ملياردير في التاريخ أجواء لطيفة في أغلب المناطق وزخات مطرية شمال المملكة ترامب: "أعتقد أن الرهائن سيعودون الإثنين" إلى إسرائيل البندورة بـ40 قرش والخيار بـ45 في السوق المركزي اليوم اتفاق غزة يتضمن إفراج حماس دفعة واحدة عن 20 محتجزا على قيد الحياة وفاة طفل بحادث دهس على طريق الممر التنموي غزة تنتصر. اعلان وقف الحرب في قطاع غزة واشنطن تحضّر نصّ خطاب يفترض أن يدلي به ترامب لإعلان التوصل لاتفاق بشأن غزة أكسيوس عن مسؤول إسرائيلي: اتفاق غزة قد يُبرم الليلة وزير الخارجية يبحث مع عدد من نظرائه جهود وقف العدوان على غزة ترامب: ربما سأذهب إلى مصر يوم الأحد "الرواشدة "مُعلقاً بعد زيارته للبلقاء : في الشونة الجنوبية تنحني الشمس خجلاً أمام دفء القلوب وكرم وطيب الاهل ترامب: تقدم كبير في مفاوضات غزة وقد أزور مصر الأحد الشرفات من مخيم الوحدات: العودة حقٌّ مقدَّس، والأردن لكلِّ من يؤمن به وطناً. "السفير القضاة" يستقبل أمين عامي الاتحاد العربي للصناعات الجلدية والاتحاد العربي للمعارض والمؤتمرات في سوريا القضاة يعقد عدة لقاءات مع رؤساء البعثات الدبلوماسية المعتمدة في دمشق ولي العهد ينشر عبر انستغرام مقتطفات من زيارته إلى شبكة 42 العالمية و مقر مجمع الشركات الناشئة "ستيشن إف

الشوابكة يكتب : الحرب الناعمة: خرائط الغزو بلا رصاصة

الشوابكة يكتب : الحرب الناعمة: خرائط الغزو بلا رصاصة
الصحفي جمعه الشوابكه
ليست كل الحروب تُرى على الخريطة؛ بعضها يجري في طبقاتٍ أدقّ: في القيم واللغة والخيال الجمعي. هذه هي الحرب الناعمة، صراع منخفض الضجيج عالي الفاعلية، يشتغل على مفاصل الثقة والمعنى فيُضعف الدولة قبل أن يُسقطها. ليست قصتها "من يملك الدبابات؟" بل "من يملك السردية؟". الحرب الخشنة تحسم مساحات، أما الحرب الناعمة فتحسم عقولًا؛ الأولى تحتل الأرض ثم تعيد تشكيل أهلها، الثانية تُعيد تشكيل أهل الأرض فتُصبح الأرض لاحقًا تفصيلًا. أدواتها مألوفة: شاشة تُلهي، مناهج تُعاد هندستها، اقتصاد يُعصر، ومنصات تُبرمج الانتباه، والنتيجة مجتمع يشكّ في ذاته، يخاصم تاريخه، ويستهلك رؤى خصمه وهو يظنها رؤاه.

في هذه الحرب، السردية والإطار أهم من الخبر نفسه، إذ تُبنى بيئة معنى جديدة تجعل من قيمك عبئًا ومن تضحياتك بلا جدوى. الثقافة الترفيهية تصنع ذائقة ثم قناعة: الطبيعي هو ما تراه كثيرًا، لا ما هو حقًّا. التعليم الموجَّه يعدّل بوصلة الأجيال من "من نحن؟" إلى "كيف نصير نسخة من الآخر؟". الاقتصاد يتحول إلى سلاح عبر العقوبات والإغراق والتلاعب بسلال الإمداد، فيُعاد تعريف الممكن والمعقول في وعي الناس. أما الفضاء الرقمي، فتتحكم به خوارزميات تفضّل الإثارة على الحقيقة، وتطلق جيوشًا إلكترونية تبني استقطابًا يعطّل أي توافق وطني.

التاريخ يثبت أن الإمبراطوريات لم تنتصر بالقوة وحدها؛ فالرومان نشروا القانون واللغة قبل نشر الفيالق، والاستعمار الحديث سلّط المدرسة على النخبة قبل أن يسلّط المدرعة على المدن، وفي القرن العشرين كانت الحرب الباردة مختبرًا كاملًا لهذه الحرب عبر الإذاعات، والسينما، ورموز الحياة اليومية التي تحولت إلى سلع استراتيجية. واليوم، حلّ اقتصاد الانتباه محل اقتصاد السلاح في معركة الوعي، وأصبح الزمن الذي يقضيه الفرد أمام الشاشة هو الأرض الجديدة. الخوارزميات لا تسأل "ما الصحيح؟" بل "ما الذي يُبقيك أطول؟"، ومعها تتآكل مؤسسات الوساطة كالنقابات والصحافة والمدرسة، فينفتح الطريق أمام أي لاعب يمتلك رأس مال رقمي ودهاء سردي.

الهزيمة هنا لا تأتي بدبابات عند الحدود، بل بمؤشرات داخلية: تسوّس الثقة من الإعلام إلى الدولة، تطبيع العبث حتى مع المقدسات الوطنية، استيراد الخصومة حتى يصبح المواطن واجهة لأجندات خارجية، وتشظّي اللغة حتى تفقد الكلمات معانيها. الردع في هذه الحرب لا يكون ببيانات نارية أو حجب ساذج، بل بهندسة مناعة على ثلاث طبقات: مناعة فردية عبر ثقافة نقدية تحصّن من التصديق الأعمى، مناعة مجتمعية عبر سردية جامعة وفن وأدب وصحافة معيارية تعيد تعريف الجميل والمفيد، ومناعة دولة عبر سياسات ذكية توفر الشفافية، ترد على التضليل قبل أن تنتشر الشائعات، وتحمي الاقتصاد الحقيقي لتبقى الجبهة الداخلية صلبة.

الحروب الناعمة لا تبحث عن علمٍ تُنزله من فوق مبنى؛ تبحث عن معنى تُنزله من داخل النفوس. والأمم لا تُصان بالحدود وحدها، بل بالمعادلة التي تمنح مواطنيها سببًا يرفضون به الكذب، ويغلبون به الإغواء، ويواصلون به البناء. والسؤال لم يعد: هل نتعرض للحرب الناعمة؟ بل: هل نملك ما يكفي من سرد صادق وقيم حية واقتصاد متماسك لنحبط جاذبية السرد الزائف قبل أن نصحو على وطن بلا هوية؟