شريط الأخبار
ترامب: عقدت اجتماعا بناء للغاية مع ممداني السفير الايراني لدى السعودية يكشف تفاصيل رسالة بزشكيان إلى بن سلمان قبل زيارته واشنطن صورة لافته للوزير الرواشدة مع الطفل الثوابي ترامب يريد من أوكرانيا قبول خطة واشنطن للسلام بحلول الخميس "السفير القضاة ": نجاح كبير للملتقى الأردني-السوري للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بوتين: الخطة الأميركية لأوكرانيا يمكن "أن تشكل أساسا لتسوية نهائية" للنزاع الأمم المتحدة: استشهاد 67 طفلاً في غزة منذ وقف اطلاق النار الحملة الأردنية الإغاثية توزع وجبات أرز ولحم على النازحين جنوب غزة خبراء يحذرون من تداول المعلومات عبر التواصل الاجتماعية دون تحري الدقة ترامب يستقبل ممداني مندوبا عن الملك وولي العهد.. العيسوي يشارك في تشييع جثمان الوزير والعين والنائب الأسبق جمال حديثه الخريشا وزير الخارجية السنغافوري: سنعترف بالدولة الفلسطينية في الوقت المناسب الحاج توفيق: تحسن في سوق سوريا وفرص واعدة للشركات الأردنية الملاحمة والعضيبات نسايب .... " الوزير قفطان المجالي يقود جاهة عشيرة الملاحمة / الطراونة" إلى عشيرة العضيبات في جرش ( صور ) انطلاق الملتقى الأردني - السوري للاتصالات والتكنولوجيا في دمشق خطة السلام الأميركية: تنازلات قاسية لأوكرانيا وتمكين موسّع لروسيا أوامر إسرائيلية بالاستيلاء على أراضٍ جديدة في طوباس والأغوار السفير القضاة : مشاركة مميزة للشركات الأردنية بمعرض تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في دمشق وزير الثقافة : الاستجابة لدعوة "ولي العهد "بتوثيق السردية الأردنية هي التزامٌ بتعزيز الهوية الوطنية وترسيخ ذاكرة الأردن الجامعة رئيس مجلس الأعيان ينعى العين السابق جمال حديثه الخريشا

الشوابكة يكتب : الحرب الناعمة: خرائط الغزو بلا رصاصة

الشوابكة يكتب : الحرب الناعمة: خرائط الغزو بلا رصاصة
الصحفي جمعه الشوابكه
ليست كل الحروب تُرى على الخريطة؛ بعضها يجري في طبقاتٍ أدقّ: في القيم واللغة والخيال الجمعي. هذه هي الحرب الناعمة، صراع منخفض الضجيج عالي الفاعلية، يشتغل على مفاصل الثقة والمعنى فيُضعف الدولة قبل أن يُسقطها. ليست قصتها "من يملك الدبابات؟" بل "من يملك السردية؟". الحرب الخشنة تحسم مساحات، أما الحرب الناعمة فتحسم عقولًا؛ الأولى تحتل الأرض ثم تعيد تشكيل أهلها، الثانية تُعيد تشكيل أهل الأرض فتُصبح الأرض لاحقًا تفصيلًا. أدواتها مألوفة: شاشة تُلهي، مناهج تُعاد هندستها، اقتصاد يُعصر، ومنصات تُبرمج الانتباه، والنتيجة مجتمع يشكّ في ذاته، يخاصم تاريخه، ويستهلك رؤى خصمه وهو يظنها رؤاه.

في هذه الحرب، السردية والإطار أهم من الخبر نفسه، إذ تُبنى بيئة معنى جديدة تجعل من قيمك عبئًا ومن تضحياتك بلا جدوى. الثقافة الترفيهية تصنع ذائقة ثم قناعة: الطبيعي هو ما تراه كثيرًا، لا ما هو حقًّا. التعليم الموجَّه يعدّل بوصلة الأجيال من "من نحن؟" إلى "كيف نصير نسخة من الآخر؟". الاقتصاد يتحول إلى سلاح عبر العقوبات والإغراق والتلاعب بسلال الإمداد، فيُعاد تعريف الممكن والمعقول في وعي الناس. أما الفضاء الرقمي، فتتحكم به خوارزميات تفضّل الإثارة على الحقيقة، وتطلق جيوشًا إلكترونية تبني استقطابًا يعطّل أي توافق وطني.

التاريخ يثبت أن الإمبراطوريات لم تنتصر بالقوة وحدها؛ فالرومان نشروا القانون واللغة قبل نشر الفيالق، والاستعمار الحديث سلّط المدرسة على النخبة قبل أن يسلّط المدرعة على المدن، وفي القرن العشرين كانت الحرب الباردة مختبرًا كاملًا لهذه الحرب عبر الإذاعات، والسينما، ورموز الحياة اليومية التي تحولت إلى سلع استراتيجية. واليوم، حلّ اقتصاد الانتباه محل اقتصاد السلاح في معركة الوعي، وأصبح الزمن الذي يقضيه الفرد أمام الشاشة هو الأرض الجديدة. الخوارزميات لا تسأل "ما الصحيح؟" بل "ما الذي يُبقيك أطول؟"، ومعها تتآكل مؤسسات الوساطة كالنقابات والصحافة والمدرسة، فينفتح الطريق أمام أي لاعب يمتلك رأس مال رقمي ودهاء سردي.

الهزيمة هنا لا تأتي بدبابات عند الحدود، بل بمؤشرات داخلية: تسوّس الثقة من الإعلام إلى الدولة، تطبيع العبث حتى مع المقدسات الوطنية، استيراد الخصومة حتى يصبح المواطن واجهة لأجندات خارجية، وتشظّي اللغة حتى تفقد الكلمات معانيها. الردع في هذه الحرب لا يكون ببيانات نارية أو حجب ساذج، بل بهندسة مناعة على ثلاث طبقات: مناعة فردية عبر ثقافة نقدية تحصّن من التصديق الأعمى، مناعة مجتمعية عبر سردية جامعة وفن وأدب وصحافة معيارية تعيد تعريف الجميل والمفيد، ومناعة دولة عبر سياسات ذكية توفر الشفافية، ترد على التضليل قبل أن تنتشر الشائعات، وتحمي الاقتصاد الحقيقي لتبقى الجبهة الداخلية صلبة.

الحروب الناعمة لا تبحث عن علمٍ تُنزله من فوق مبنى؛ تبحث عن معنى تُنزله من داخل النفوس. والأمم لا تُصان بالحدود وحدها، بل بالمعادلة التي تمنح مواطنيها سببًا يرفضون به الكذب، ويغلبون به الإغواء، ويواصلون به البناء. والسؤال لم يعد: هل نتعرض للحرب الناعمة؟ بل: هل نملك ما يكفي من سرد صادق وقيم حية واقتصاد متماسك لنحبط جاذبية السرد الزائف قبل أن نصحو على وطن بلا هوية؟