شريط الأخبار
المحامي ماجد المعايطة … فارس العدالة ووريث الحكمة الطريق الى التمكين... الخلاف أضاع فلسطين ابتداء... بنك ABC يواصل ريادته في التمويل المستدام محققًا تمويلات بلغت ٢.٨ مليار دولار أمريكي لدعم الدول الناشئة جفاف في سد الواله مصرع ٩ وإصابة ٢٥ بزلزالين ضربا أفغانستان أحدهما بقوة ٦ درجات الأمن العام : إلقاء القبض على شخص نشر فيديوهات يستعرض بها وهو يقوم بإطلاق عيارات نارية وارتكاب مخالفات مرورية خطرة "الرواشدة " : الجداريات فن تشكيلي تعكس قيم الجمال وقيمنا الوطنية الأحمد يشارك في القمة الوزارية "الثقافة من أجل المستقبل" العياصرة يحذر من تفكير ترامب للسيطرة على غزة السفير القضاة يباشر عمله سفيراً للأردن في سوريا إقرار نظام فهرسة وتصنيف المعلومات والوثائق لسنة 2025 الحكومة تقرر :تحسين الخدمات التي تقدمها للمواطنين وتحديث القطاع العام ريم رمزي مشهور حديثة الجازي مديرة لادارة الاعلام في الديوان الملكي الهاشمي رسميا.. فيفا يوثق تاريخ كرة القدم السعودية ويقدم رسالة تهنئة "نيويورك تايمز": ألاسكا على شفا أزمة غاز بوتين وشي جين بينغ يناقشان آخر الاتصالات الروسية الأمريكية قبل ساعات.. استبعاد حكم تقنية الفيديو "VAR" في مباراة ليفربول وأرسنال "اليد الثانية".. روسيا تقدم خدمة مصرفية جديدة لتعزيز الحماية من الاحتيال فرنسا تؤكد دعمها لإقليم غرينلاند وتنتقد الطموحات الأمريكية: "ليس للبيع"

الطريق الى التمكين...

الطريق الى التمكين...
الطريق إلى التمكين
القلعة نيوز ـ
نقف مع السنن وقفة متأمل ومفكر، محاولٍ أن يسبر أغوارها ليصل إلى الحقيقة: صراع حضارات؟ أم هو صراع وجود؟ أم هو صراع أديان وأفكار؟ أم هو صراع القوى المهيمنة؟ ولكن مهلاً، هل كانت الأرض يومًا إلا أرضًا للصراعات، منذ تلك اللحظة التي يدرك فيها الطفل قوته ويسعى ليفرض حضوره وإرادته على بيئته المحيطة، ثم تكبر التحديات وتكبر الصور التي يسعى فيها الإنسان ليجد مكانًا لسلطته على هذه البقعة التي يعيش فيها، ثم يخرج لنا فرعون وقيصر وكسرى وهرقل وهتلر وستالين وموسيليني، وعشرات بل مئات من الجبابرة العتاة. هو إذًا عند الكثيرين صراع وجود، أو صراع سيطرة وسلطة وسطوة.

ولكن مفهوم الخالق مختلف، فهو لا يريد الأرض مكانًا للصراعات. نعم، هو أوجدها لتكون تلك المساحة التي يعيش فيها هذا المخلوق الفريد الذي يتمتع بالعديد من الصفات التي تؤهله لأن يرتقي في سلم الفكر والحضارة والأخلاق، ومن ثم يكون أهلاً ليكون خليفة الله في الأرض، ذلك الخليفة الذي يسعى لتطبيق الدين وهو المنهاج، أو نظام الحياة كما يقول أبو الحسن الندوي في كتابه ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين.

هناك عقول تسعى بقوة لتصل إلى الحقيقة، وما قصة الأحناف في الجاهلية إلا صورة من تلك الصور المشرقة؛ فهؤلاء رفضوا الشرك والجاهلية وتلك العادات والتقاليد والشركيات التي تتعارض مع العقل السليم. وأسند عمرو بن نفيل، وهو أحدهم، ظهره على جدار الكعبة وقال: "ما فيكم على ملة إبراهيم إلا أنا."
مفهوم الرفض للعادات والتقاليد والتصورات الخاطئة عن الدين والخالق والحياة موجود، لم يتوقف. وهو مرافق دائم لكل انحراف يقوم به بعض البشر، فهذا الانحراف يجد في المقابل أشخاصًا يرفضونه، ويرفضون مبدأ القوة وغياب الأخلاق وسيادة شريعة الغاب على البشر، كما يوجد في المقابل من يتبنى ويدعم ويسعى بقوة لفرض شريعة الغاب على البشر.

التدافع بين البشر، بين الخير والشر، بين الظلمة والنور، بين الحق والباطل، هذه من السنن الخالدة في الحياة، وستبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ثم ينتقل البشر إلى مرحلة جديدة ليس فيها هذا النوع من التحديات. ولكن في هذه المرحلة يتفق أهل الشر ويجتمعون في مكان سمِّه ما شئت، ولكن الله سماه الجحيم، ويتفق أهل الحق ويجتمعون في مكان سمِّه ما شئت، ولكن الله سماه الجنة.

ولكن هل وجود الجنس الواحد المتجانس مطلوب دائمًا؟ وهل ينفع الاختلاف أو يضر؟
ويبدو أن الاختلاف يضر أحيانًا وينفع أحيانًا أخرى، وما ضرَّ الشمعة إلا فتيلها كما يقولون. ولكن في الحياة القياس هو قياس مع الفارق؛ فقد وجد اليابانيون أن طعم السمك يختلف نتيجة صيده وتبريده، فبنوا أحواضًا في سفنهم ووضعوا السمك فيها، ولكن ما زال الطعم مختلفًا، فلجؤوا إلى حيلة: وضعوا فيها صغار سمك القرش في أحواض السمك، ليدب الخوف والحركة الدائمة في السمك، فلا يتغير طعمه.

السِّلم والسلام نعمة، ولكنه يضر بفئة من البشر؛ فتخلد إلى الحياة الدنيا، وتغرق في الترف والنعيم والنِّعم والملذّات، فيصيب بعضها الفسق وتستحق العقاب. ألم ترَ إلى تلك الشعوب التي رفلت في النعمة زمنًا، من بومبيي في إيطاليا، تلك القرية التي فاجأها البركان وهم في غيهم، وخلّد صورًا من حياتهم وفحشهم، إلى قوم لوط، إلى غيرهم ممن أصابتهم نعمة الترف وحلّ بهم الفسق فاستحقوا العقاب.

يأتي الأنبياء عندما تنحرف البشرية عن المنهج، ويسعون بقوة لإعادة هذه الخراف الضالة إلى مسارها. ولكن البعض يأبى، فهو مستفيد من الوضع القائم، وقد ارتبط بهذا النظام من حيث المنفعة والعادة والتقاليد والمجتمع، ولا يريد أن يغير ذلك. وآخرون، مع أنهم قد يكونون مستفيدين من النظام القائم ومن الانحراف الموجود ولهم فيه حظوة ووجود، كعثمان وسعد وأبو بكر وغيرهم الكثيرين رضي الله عنهم، فقد كان لهم مكانة وحظوة وتنازلوا عنها من أجل إقامة دين الله الجديد صورةً ومنهجًا وفكرًا في الأرض.

ولكنه لم يكن دينًا جديدًا بل شريعة جديدة، وهم قد نشؤوا على صور منحرفة، ولكن فطرتهم تحركت هنا. وهنا ملحظ مهم، هو قدرة هؤلاء على رؤية الانحراف القائم في المنهج الموجود، وعدم القبول به مع أنهم مستفيدون منه. وفي المقابل تجد مدافعين عن الوضع القائم، وهو يظلمهم ويسلبهم حقوقهم ويتعرضون لمعاناة كبيرة بوجوده. وهؤلاء من فئة العاملة الناصبة، التي تسعى في عمل وهي مجدة ومجتهدة، ولكن هذا العمل هو عكس مصلحتها، وعكس ما يحقق لها الفائدة.

لن تستطيع أن تحمل البشر على رأي واحد، ومنهج واحد، وفكر واحد. {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103]. ولكن وجود الكتلة الحرجة من أهل الحق والساعين له والداعمين له، هؤلاء وجودهم يمنع وقوع ظلم كبير في الأرض. نعم، سيبقى الظلم ما بقي البشر، لأن الانحراف عن المنهج متعلق بأمور كثيرة ليس هذا مكانها. ولكن عندما تسعى الفئة العظمى من الناس للحق، وتحرص عليه وتحميه بالغالي والنفيس، يقل الظلم ويكاد أن يختفي إلا من تلك الحالات الفردية التي لا تستطيع يد العدل أن تصل إليها.

الخالق لم يترك البشر منذ تلك اللحظة التي أنزلهم فيها من الجنة إلى هذه الأرض، فمرة يرسل الرسل والرسالات، وأخرى الأنبياء للتذكير وإعادة الناس إلى الصواب، وثالثة يرسل الصالحين من أمثال صاحب موسى في سورة الكهف، أو المجددين على رأس كل قرن. وهؤلاء كانوا يعملون بجد لبقاء الإنسان قريبًا من المنهج، وفق منظومة إلهية منضبطة. فهو يعي تمامًا السنن الكونية، ويعرف طبائع البشر، ويستقي أوامره وتعليماته من الخالق مباشرة.

السنن مرة أخرى: سنة الإعداد تعني أن الله سبحانه وتعالى يُهيئ الأسباب والظروف لتحقيق التغيير أو التمكين، ولكن بعد أن تمر الأمة أو الفرد بمرحلة إعداد وتأهيل. فالنصر أو التمكين لا يأتي فجأة، بل يحتاج إلى تربية، وصبر، وتدريب، وتكوين داخلي، وإعداد روحي يهتم ببناء العقيدة الصحيحة والإيمان بالله، وإعداد نفسي يهتم بتقوية الإرادة والثبات على الحق، وإعداد فكري يسعى لفهم السنن الكونية والتخطيط والعمل، وإعداد مادي يسعى لتجهيز القوة العسكرية والاقتصادية.
أشار ابن القيم إلى أن الابتلاء جزء من الإعداد، لأن به يتميز الصادق من الكاذب. وهنا يرى سيد قطب أن الإعداد العقائدي مقدم على الإعداد المادي، لأن العقيدة هي الأساس. بينما يرى مالك بن نبي أن الإعداد الفكري والثقافي أهم باعتباره قاعدة النهضة.

ثم بعد الإعداد يأتي التمكين. سنة التمكين تعني أن الله سبحانه وتعالى يمكّن للذين آمنوا وعملوا الصالحات في الأرض بعد أن يُختبروا ويُبتلوا، فيورثهم الأرض ويمكن لهم دينهم، بشرط تحقيق الإيمان الصحيح والعمل الصالح. وللتمكين شروط، وهي: الإيمان بالله والعمل الصالح، والتوكل على الله، والاستقامة على منهج الله، والصبر على الابتلاء.

فالإسلام ليس مجرد دين، بل هو نظام حياة، يسعى لأنواع من الإعداد:

الإعداد الروحي الذي يهدف إلى بناء العقيدة الصحيحة والإيمان بالله،

الإعداد النفسي الذي يسعى إلى تقوية الإرادة والثبات على الحق،

الإعداد الفكري الذي يُكوِّن فهمًا واضحًا للسنن الكونية وأثرها، ويسعى لتوظيفها في التخطيط والعمل،

وأخيرًا الإعداد المادي الذي يهتم بتجهيز القوة العسكرية والاقتصادية.

سنة الإعداد تُرسخ الإيمان والاستعداد للمهام، وسنة التمكين تُحقق وعد الله بالنصر والسيادة للمؤمنين. ويرى سيد قطب أن التمكين يأتي بعد الابتلاء، وليس قبله، لأنه يُثبت أهلية الأمة لتحمل المسؤولية. بينما يرى ابن تيمية أن التمكين الحقيقي هو تمكين الدين في القلوب، وليس فقط السيطرة السياسية. ويرى مالك بن نبي أن التمكين لا يتحقق إلا إذا وُجدت "القابلية للتمكين" في الأمة، وزالت القابلية للاستعمار.

فإذا لم يتحقق الإعداد، ولم تستطع الأمة النجاح في التمكين، ندخل في سنة خطيرة هي سنة الاستبدال.
وسنة الاستبدال تعني أن الله سبحانه وتعالى يستبدل قومًا أو أمة بغيرهم إذا انحرفوا عن منهج الله وفسدوا في الأرض كما حدث مع أهل الكتاب. فإذا تركوا طاعة الله، فإن الله يُزيلهم. وهنا الإزالة هي التنحية عن القيادة في الأرض، ويأتي بغيرهم ممن يكونون أكثر استقامة على أمر الله.
وسنة الاستبدال تحذر من التخاذل والفساد. فيرى ابن خلدون أن الاستبدال نتيجة طبيعية لانهيار الأخلاق والقيم. بينما يرى سيد قطب أن الاستبدال يبدأ من داخل النفس، فمتى ما فسد الإيمان كان الاستبدال حتميًا. بينما يرى أبو الحسن الندوي أن التخلي عن القيادة الحضارية سببه البعد عن الدين، وانعكس تأثير تراجع المسلمين الحضاري على العالم بأسره، ويرى أن الإسلام ليس مجرد دين، بل هو نظام شامل للحياة. وعودة المسلمين إلى التقدم والتأثير الإيجابي في العالم لا تتحقق إلا بإحياء القيم الإسلامية الصحيحة، وبناء حضارة قائمة على العدل، والعلم، والأخلاق.

والعلاقة بين السنن الثلاث: الإعداد يؤهل الأمة نفسيًا وماديًا للتمكين، والتمكين يأتي بعد الإعداد وابتلاء الثبات على الحق، وإذا لم يحصل الثبات على الحق يحدث الاستبدال عند الإخلال بشرط الإيمان والعمل الصالح. ويؤسفني أن السنن لا تحابي أحدًا، وقد جعلها الله ثابتة ثباتًا يجعل هذه السنن تعامل الكافر والمؤمن وفق ناموس واحد. نعم، قد تتدخل العناية الإلهية في مواقف معدودة ومحددة كطوفان نوح أو خسف أو غيره.

ولكن على المسلم أن يقوم بواجبه ويسعى حتى ينقطع منه الجهد، ثم يتوجه إلى الله بالدعاء، وإلا فهو لم يفهم منهجه، ولا وعى دينه، ولا فهم سننه.

إبراهيم أبو حويلة