
الهيمنة الجوية: الاستراتيجية الأميركية–الإسرائيلية تكشف هشاشة
الأجواء العربية
القلعة نيوز:
بقلم: م. رنا الحجايا
في مشهد متقلب من التفاعلات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، جاءت الضربة
الجوية الإسرائيلية على العاصمة القطرية الدوحة في التاسع من سبتمبر 2025 لتكشف عن
خلل بنيوي عميق في منظومة الدفاع الجوي العربي.
العملية، التي استهدفت قيادات بارزة في حركة حماس خلال مفاوضات وقف
إطلاق النار، نُفذت بصواريخ دقيقة أُطلقت من خارج المجال الجوي القطري، متجنبة
الأجواء السعودية والإماراتية، ومتجاوزة القاعدة الأميركية في العيديد دون اعتراض.
هذا الحدث لا يمثل فقط خرقًا للسيادة، بل يعكس استراتيجية مدروسة تتبعها إسرائيل
والولايات المتحدة، تقوم على الردع الاستباقي واستغلال هشاشة الخصوم.
الهجوم، الذي أسفر عن مقتل ستة أشخاص بينهم نجل القيادي خليل الحية
وضابط أمن قطري، فشل في إصابة الأهداف الأساسية، وهم الحية، زاهر جبارين، محمد
درويش، وخالد مشعل. ورغم ذلك، أعلنت إسرائيل مسؤوليتها الكاملة، ووصفت العملية
بأنها "ضربة مستقلة" تهدف إلى تصفية من وصفتهم بـ"عقول
الإرهاب" المرتبطة بهجوم 7 أكتوبر. أما قطر، فقد أدانت العملية بشدة، ووصفتها
بأنها "اعتداء جبان وإجرامي" وانتهاك صارخ للقانون الدولي.
اللافت في هذه العملية ليس فقط دقتها، بل الطريقة التي نُفذت بها.
فإسرائيل اختارت إطلاق الصواريخ من خارج المجال الجوي القطري، متجنبة الأجواء
الحليفة، ومتجاوزة القاعدة الأميركية في العيديد دون أن تُعترض، ما يكشف عن خلل
خطير في بنية الدفاع الجوي العربي، الذي يعتمد بشكل مفرط على الحماية الأجنبية.
أما الولايات المتحدة، فرغم إعرابها عن "الأسف"، اكتفت برد دبلوماسي
خافت، ما يعكس تسامحًا استراتيجيًا تجاه جرأة إسرائيل حين تخدم مصالح أوسع.
هذه الضربة ليست سابقة فريدة، بل تأتي ضمن سلسلة من العمليات التي
نفذتها إسرائيل في السنوات الأخيرة، مثل اغتيال إسماعيل هنية في إيران عام 2024،
والهجمات المتكررة على مواقع حزب الله. وتُجسد هذه العمليات عقيدة تقوم على الردع
عبر القوة الأحادية، وليس عبر الدبلوماسية.
أما الولايات المتحدة، فتعزز
هذه الاستراتيجية من خلال شبكتها العالمية من القواعد العسكرية، وتسليح الحلفاء
الإقليميين، مع الحفاظ على السيطرة التشغيلية، في تطبيق عملي لمبدأ ميكافيلي:
"على الأمير أن يقلد الثعلب والأسد، فالثعلب يتفادى الفخاخ، والأسد يردع
الذئاب".
النتائج بالنسبة للدول العربية خطيرة. فرغم إنفاق المليارات على أنظمة
الدفاع الأميركية—وقطر وحدها وقّعت صفقة أسلحة بقيمة 12 مليار دولار—تبقى الأجواء
العربية مكشوفة. أنظمة الرادار، وشبكات الإنذار المبكر، وهياكل القيادة، إما مجزأة
أو خاضعة لإدارة خارجية. ضربة الدوحة، كما حدث في اختراق إيران للمجال الجوي
القطري عام 2020، أو هجوم الحوثيين بطائرات مسيّرة على منشآت أرامكو السعودية عام
2019، تؤكد أن السيادة الجوية العربية يمكن اختراقها دون عواقب.
إن الرد العربي، المتمثل في بيانات الإدانة، لا يكفي لمواجهة هذا
النوع من الهيمنة الجوية. المطلوب هو إعادة هيكلة شاملة للمنظومة الدفاعية، تبدأ
بتطوير أنظمة مستقلة متعددة الطبقات، مثل منظومة S-400 الروسية
أو الطائرات المسيّرة المحلية، مدعومة بمراقبة فضائية.
كما أن إنشاء قيادة إقليمية
موحدة للدفاع الجوي، على غرار حلف الناتو، بات ضرورة ملحة لردع الضربات الأحادية.
إضافة إلى ذلك، يجب الاستثمار في البحث والتطوير والتدريب المحلي، كما فعلت
الإمارات بعد عام 2022، لبناء قدرة ذاتية مستدامة.
في الختام، لم تكن ضربة الدوحة مجرد انتهاك للقانون الدولي، والخسائر
السياسيه ليست في قصف حماس بل كانت عرضًا استراتيجيًا للهيمنة الجوية. لقد كشفت عن
هشاشة البنية العسكرية العربية، وطرحت تحديًا وجوديًا للدول التي تسعى للحفاظ على
سيادتها.
الخيار أمام العرب واضح: إما البقاء كأدوات في لعبة القوى، أو النهوض
كلاعبين قادرين على حماية أجوائهم. وكما نصح ميكافيلي: "من الأفضل أن تُخشى
على أن تُحب، إن لم تستطع أن تكون الاثنين". لقد حان الوقت للعالم العربي أن
يحوّل هذا الانكشاف إلى حصن، ويضمن أن السماء فوقه لم تعد ساحة صيد للقوى الأجنبية.