د. عزالدين عبدالسلام الربيحات
زيارة ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني إلى محافظة الطفيلة لم تكن مجرد لقاء بروتوكولي، بل كانت محطة استشرافية لفهم دور التاريخ في صياغة وعي الأجيال القادمة. حديث سموه عن السردية الأردنية لم يقتصر على سرد الوقائع، بل تناول دلالتها العميقة في بناء الهوية الوطنية وربط الماضي بالحاضر والمستقبل. فالحديث عن السردية الأردنية يشير إلى منظومة القيم التي تشكلت عبر تضحيات الأردنيين ووفائهم للوطن، ويؤكد على أن الهوية الوطنية ليست مجرد شعارات، بل أفعال ومواقف توارثتها الأجيال.
ركز ولي العهد خلال زيارته على محافظة الطفيلة بوصفها رمزاً للتضحيات الوطنية، حيث ربط بين دورها في الثورة العربية الكبرى ومساهمتها في تحقيق أهدافها الوطنية وبين معركة حدّ الدقيق التي قدّم فيها أهالي محافظة الطفيلة أرواحهم دفاعاً عن الأرض والكرامة. هذه الإشارة التاريخية تحمل دلالات مزدوجة: أولاً، تذكير الأردنيين بأن الاستقرار والسيادة لم يتحققا إلا بتضحيات أبناء المحافظات البعيدة، وثانياً، توضيح أن كل محافظة، وكل أسرة، وكل فرد شكل جزءاً من النسيج الوطني الذي بنى الدولة الأردنية الحديثة.
تأكيد ولي العهد على ضرورة توثيق السردية الأردنية يعكس رؤية قيادية واعية لأهمية نقل التاريخ والذاكرة الوطنية للأجيال الجديدة. هذا التوثيق ليس مجرد حفظ للوقائع، بل إرساء لمرجعية وطنية تضمن معرفة الشباب بتاريخهم وإرثهم وقيمهم، ويعزز شعورهم بالمسؤولية تجاه الوطن. فالسردية الأردنية، في هذا السياق، تصبح أداة للتعليم والتنشئة الوطنية، تساعد على غرس قيم الشجاعة، التضحية، الانتماء، والوفاء، وتجعل الشباب مدركين لامتداد التاريخ الأردني من الثورة العربية الكبرى حتى تضحيات حدّ الدقيق ومساهمتهم في بناء الدولة الحديثة.
أثر هذا التوجيه يتجاوز الاعتزاز بالماضي، فهو يخلق صلة مستمرة بين الأجيال، إذ يعلم الشباب أن كل خطوة قام بها الأجداد في الماضي، وكل تضحية قدموها، لها انعكاس مباشر على حاضرهم ومستقبلهم. وبهذا المعنى، تصبح السردية الأردنية ليست مجرد حكاية تاريخية، بل منهج حياة ووعي جماعي يوجه سلوك المجتمع ويعزز تماسكه. كما أن استحضار الطفيلة ودورها البطولي يبعث برسالة واضحة بأن كل محافظة، مهما كانت بعيدة عن العاصمة، كانت جزءاً فاعلاً في تشكيل الأردن، وأن الهوية الوطنية تتشكل عبر مساهمة الجميع وليس عبر أحداث مركزية فقط.
يمكن القول إن ما أكده ولي العهد يربط بين ثلاثة عناصر أساسية للسردية الأردنية: التاريخ، القيم الوطنية، والأجيال القادمة. التاريخ يقدم الوقائع والبطولات، القيم الوطنية تعكس المعاني والدروس المستخلصة، والأجيال القادمة هي الضمانة لاستمرار هذه الهوية وصيانتها. ولذلك، فإن توثيق السردية الوطنية يصبح ضرورة استراتيجية، وليس ترفاً، لضمان أن يعرف كل أردني من أين أتى، وما هي التضحيات التي شكلت وطنه، وكيف يمكنه أن يواصل البناء في ظل التحديات الحديثة.
إن ربط السردية الأردنية بالطفيلة والثورة العربية الكبرى ومعركة حدّ الدقيق يعكس فهمًا عميقًا لأهمية التاريخ المحلي ضمن السردية الوطنية الكبرى، ويؤكد أن المعرفة بالبطولات والمواقف السابقة تولّد شعوراً بالمسؤولية والانتماء. كما أن هذه السردية تشكل محفزاً للشباب للمشاركة في الوطن بوعي ومسؤولية، بما يتماشى مع قيم الشجاعة والفداء التي جسّدها أجدادهم.
ختاماً، حديث ولي العهد حول السردية الأردنية ليس مجرد خطاب عن الماضي، بل هو خارطة طريق للأجيال القادمة، تؤكد أن الهوية الوطنية ليست مجرد شعارات، بل قيم وأفعال وتجارب متراكمة، وأن الأردن لا يُفهم إلا من خلال سرديته التي توثق تضحيات أبنائه، وتربط بين الماضي والحاضر والمستقبل، لتظل مرجعاً للأجيال في بناء وطن قوي ومستدام.




