
الأستاذ الدكتور أمجد الفاهوم
لم يعد الذكاء الصناعي مجرد تقنية تُضاف إلى أدوات التعليم، بل أصبح مرآة تعكس وعي المعلّم ونضج الطالب في التعامل مع المعرفة. فبين أيدينا اليوم أدوات قادرة على تلخيص النصوص، وتصميم الدروس، وتحليل الأساليب، ولكن جوهر العملية التعليمية ما يزال يقوم على سؤالٍ بسيط وعميق: من يقود من؟ الإنسان أم الأداة؟
إن التحدي الحقيقي لا يكمن في استخدام الذكاء الصناعي، بل في توجيهه نحو بناء عقلٍ ناقدٍ ومبدع. فالطالب الذي يختصر الطريق عبر الأداة دون أن يفكر، يفقد لذة الاكتشاف. والمعلّم الذي يعتمد على الخوارزميات بدل تحفيز العقول، يفقد دوره كمنارةٍ تقود نحو الفهم لا الحفظ.
ومن هنا فإن الريادة في التعليم الحديث لا تتحقق بالاعتماد على التقنية، بل بفهم فلسفتها. فالذكاء الصناعي يجب أن يكون معينًا على التعلّم، لا بديلًا عن الجهد الإنساني. وهو وسيلةٌ لترتيب الأفكار، وتنظيم الوقت، وتوسيع الأفق، لكنه لا يملك حسّ الفضول، ولا دفءَ الشغف الذي يصنعه المعلم في قاعة الصف.
من هنا تأتي الدعوة إلى عقد جلسات تفاعلية على مستوى المدارس والجامعات تُعيد وصل الطالب والمعلّم وعضو هيئة التدريس بجوهر العملية التعليمية، وتمنحهما القدرة على استخدام الأدوات الذكية بوعيٍ ومسؤولية. فهذه اللقاءات لا تهدف إلى عرض البرامج والتطبيقات فحسب، بل إلى ترسيخ فكرةٍ أعمق: أن التعليم الحقيقي هو الذي يجعل الإنسان أكثر تفكيرًا لا أكثر اعتمادًا، وأكثر إبداعًا لا أكثر نسخًا.
وإذ نعيش في هذا العالمٍ السريع التغيّر، فلا بد من تربية جيلٍ يفكر بذكاءٍ إنسانيٍّ قبل أن يستخدم ذكاءً صناعيًا، وجيلٍ يُحسن السؤال قبل أن يطلب الإجابة، ويصنع طريقه بالمعرفة لا بالمعلومة فقط. فالتقنية مهما بلغت قوتها، تبقى مجرد أداة. أما الإنسان الذي يتقن توجيهها، فهو الغاية والجوهر.