● مخابرات الوطن
فن الاحتراف
يسطُر هيبته في عتمة الرمثا ويزرع الطمأنينة في ربوع المدينة وأهلها.!!!
في مساء ثقيل من مساءات الخامس والعشرين من تشرين الثاني 2025، كانت الرمثا على موعدٍ مع لحظة تختبر فيها الدولة رسوخ بنيانها
ويقظةَ أجهزتها وصلابة رجالها الذين نذروا أرواحهم لحراسة الأمن العام وصون هيبة الوطن لم يكن ما جرى مجرّد مداهمة، بل مشهدا وطنيًّا مكتمل الأركان، كتبت فصوله بخيوط مدروسة من الاحتراف الأمني وممهورة ببصمة جهاز المخابرات العامة ومن خلفه كل الأذرع الأمنية التي توحّدت في خطة محكمة، خيطها الأول: حبّ الوطن وخيطها الأخير: الولاء للقيادة الهاشمية.
الرمثا، تلك المدينة الحدودية التي عرفت التجارة والعبور والنبض الشعبي الصافي، وجدت نفسها فجأة في مواجهة فكرٍ تكفيري جبان، حاول أن يختبئ خلف الرهبة، وأن يختلق لنفسه وهمًا من القوة. شقيقان متطرفان يحتضنان الظلام، ويحملان قناعة فاسدة لا تشبه إلا الخراب. وحين حانت ساعة الحقيقة، لم يتورعا عن الاحتماء بأمّهما، متخذين من جسدها حائطًا يتقنعان خلفه، في مشهد يفضح سقوطًا أخلاقيًا لا يشبه شيم أهل الرمثا، ولا يشبه قيم الأردنيين، ولا يمتّ إلى الرجولة بصلة.
لكن يد الوطن كانت أصدق وأطهر. المخابرات العامة وجهاز الأمن العام، مدعومين بتنسيق ميداني متين تعاملوا مع المشهد كجرّاحٍ خبير، لا تزلّه الدماء ولا تربكه الظلال. عُزلت الأم بحرفية ناعمة. بلمسة تُشبه المروءة، وأُبعدت عن مسرح الخطر دون خدشٍ أو أذى، ليبقى الفارق واضحًا بين من يختبئ خلف الأبرياء، ومن يحمي الأبرياء حتى وهو يتقدم نحو الرصاص.
وفي لحظاتٍ متسارعة، انطلقت الخطة الأمنية كما لو أنها صفحةٌ طُبعت في مدرسة خبرات عميقة.معلوماتٌ دقيقة جُمعت بصمت، اختبارات وتحليل ومراقبة، تقدير للمشهد واتخاذ للقرار في اللحظة المناسبة. كل حركة كانت محسوبة، كل خط كان مرسومًا، وكل خطوة كانت مستندة إلى عقلية أمنية راشدة صاغتها سنوات من مواجهة التطرف بكل وجوهه. وما كان ذلك ليكون لولا ما يقدمه جهاز المخابرات العامة من يقظة دائمة، وقدرة على تفكيك الفكر الإرهابي قبل أن يشتعل، ورؤية لا تغيب عن تفاصيل المشهد مهما صغرت.
الرصاص الذي اشتعل في سماء الرمثا لم يكن إعلان فوضى، بل كان إعلان نهاية فوضى. اشتباك محسوب، تضييق مدروس، وتمشيط دقيق للمنطقة حتى لحظة الحسم الكامل...عاد السوق إلى نبضه وتنفس الناس هواءً أثقلته الصدمة، لكنه هواءٌ آمن، يحمل رسالة واحدة: أن الوطن، حين يقرر، يُعيد النظام إلى مكانه، ويُعيد الطمأنينة إلى أصحاب البيوت والمحلات والمسافرين على الطرق.
أما الفكر التكفيري الذي حاول زرع الرعب في قلب المدينة، فقد سقط كما يسقط الظل أمام الضوء؛ فكرٌ جبان، بائس، يعيش على الخديعة والاختباء، ينمو في الزوايا، وينتهي دائمًا حيث ينتهي الظلام حين يسقط عليه نور الوعي ونور الدولة. وما فعلته الأجهزة الأمنية في الرمثا لم يكن مجرد مواجهة، بل درسًا يقال بوضوح: في الأردن لا مكان لمن يحاول أن يعبث بالعقل، أو يلوّث الأمن، أو يجرّ الوطن إلى معارك غير أخلاقية.
لقد أثبت رجال الأمن مجتمعين متكاتفين أنهم سيف الوطن وسده المتين. عملوا بهدوء مُربك، وبحكمةٍ أخجلت الرصاص، وباحترافية لامست أعلى مراتب المهنية. أعادوا الأمن للرمثا، ورفعوا عن أهلها ثقل الخوف، وأعادوا إلى السوق توازنه، وإلى الأطفال ابتسامتهم، وإلى الليل قدرته على النوم.
وفي قلب هذا المشهد، كانت القيادة الهاشمية ترفرف كعنوان ثابت لثقة الناس في دولتهم. فحين تكون القيادة صادقة، تكون الأجهزة يقظة، ويكون الأمن راسخًا، ويكون الوطن عصيًّا على كل مؤامرة جبانة.
وهكذا، تبقى قصة الرمثا شاهدًا جديدًا على صلابة الأردن بلدٌ لا يركع، ولا يسمح لدخيلٍ أن يهزّ قواعده، ولا يسمح لفكرٍ مسموم أن يُبدّد نورَه. بلدٌ كلما حاولت الفتنة أن تطرق بابه، سقطت أمام بسالة رجاله، وأمام حكمة قيادته، وأمام إرادة شعبه الذي حفظ القسم في القلب قبل اللسان.
هذا هو الأردن
قويٌّ بمن يحميه، ثابتٌ بمن يقوده، عصيٌّ على كل يدٍ ترتجف سوءًا، وكل فكرةٍ تتقنع وراء الظلام.
هذا هو الأردن
وطنٌ يأبى إلا أن يبقى آمنًا، مهما ارتفعت أصوات الرصاص في ليلٍ عابر...!!!
بقلم:
أحمد سعد الحجاج




