القلعة نيوز-
يشي عنوان المجموعة القصصية «دفء» للكاتبة الأردنية عُلا العُمري بالمعنى الذي تنطوي عليها الحكايات بما تحمل من حنين وذكريات، فالدفء، هو جانب معنوي يأنس إليه الإنسان بالحكاية التي ترتبط بمشاعره، ولكن الحكايات في الأردن بلد الكاتبة ترتبط أيضا بطريقة القص التي كانت تقوم بها الجدات وقت الشتاء مساء لتدخل البهجة والدفء في نفوس الأطفال، ومن هذه المناخات تختار القاصة عنوان المجموعة ليكون الكلام دافئا بالحكايات التي تستعيدها من الحكايات الشعبية أو من مناخاتها، فهي تميل في موضوعاتها إلى الأساطير وتجنح للخيال الذي يمزج بين المتخيل والواقع، كما في «يورا»، و»قرية الضحك».
وتضفي الكاتبة في مجموعتها الصادرة عن «الآن ناشرون وموزعون» بعمّان، بدعم من وزارة التراث والثقافة العُمانية وهي نتاج ورشة نظمتها المديرية العامة للتراث والثقافة بمحافظة ظفار، تنوعاً في عناوين القصص من خلال تضمينات من القرآن الكريم، ومنها: «والنازعات غرقا»، «والتين والزيتون»، وكذلك الأمثال الشعبية، ومنها: « كل فتاة بأبيها معجبة»، وهي استعارات وتضمينات تغني النص بالتداعيات التي تنشط بخبرة القارئ.
ولميل القاصة لنمط الكتابة التراثية بالإفادة من الحكايات والأساطير، فهي أيضا تذهب لاستعارة الكثير من الأنماط الكتابية التراثية، ومنها «كان يا ما كان في قديم الزمان»، التي تمنح المتلقي بعدا زمانيا يتيح فكرة التخيل خارج إطار الراهن والواقعي.
تحتوي المجموعة التي تقع نحو 150 صفحة من القطع الوسط على 35 قصة في ثلاثة أقسام: «أمنيات» و»أغنيات» و»متتاليات»؛ يحوي كل قسم مجموعة من العناوين نذكر منها في «أمنيات»: «يورا» و»قرية الضحك» و»ستحلم». أما «أغنيات»: «كنتُ هنا..»، «أتذكريني»، في حين ضمّ قسم «متتاليات»: «دفلى وجنون».
كما تشتمل المجموعة على مقدمة كتبها مدير عام المديرية العامة للتراث والثقافة الأسبق في محافظة ظُفار أحمد بن سالم الحجري ألقى فيها الضوء على الورشات التي أقامتها المحافظة في الفنون المتنوعة، ومن بينها «أساسيات كتابة القصة القصيرة».
يشار إلى أن القاصة علا العمري حاصلة على البكالوريوس في الفيزياء من جامعة آل البيت/ الأردن، وتعمل في قطاع التعليم في سلطنة عُمان، حاصلة على جائزة القاصين الشباب من جامعة فيلادلفيا بالأردن، ولها مشاركات في مجموعتين قصصيتين، هما: «أبجدية أولى» و»عندما تورق الكلمات».
في حين استمد المفكر والشاعر العُماني سيف الرحبي عنوان كتابه من الفكرة الهيغلية التي تقول إن البومة لا تحلّق إلّا في الظلام.. هكذا هو دور الفكر والفلسفة في عصور الظلام التي تمرُّ بالأمم أو الشعوب. تحلّق الأفكار وحيدة فتحاصرها الغربة، وربما رُجمت بتهمة الإبصار في العتمة. ثم لا بدَّ أن يُنتهك العقل ويزدرى الضمير، فيصيح الصائحون: أخرجوا الفلاسفة من أرضكم إنهم أناسٌ يُفكّرون..
ومزج المؤلف في كتابه الذي جاء في مئتين وست وعشرين صفحة من القطع المتوسط، وقائع تجربته الشخصية بما هو ابتلاء عام يستوي أمامه أن تكون عُمانياً، أو يمنياً، أو عراقياً، أو شامياً، أو مصرياً، أو مغربياً؛ فهي قضية واحدة وهموم مشتركة يعانيها أبناء هذه الأمة من محيطها إلى خليجها.
يقول الرحبي في إحدى فقرات الكتاب الصادر عن «الآن ناشرون وموزعون» في عمّان: «مسميات الأماكن تختلف من بلد عربي إلى آخر، لكن وجوه الضحايا وفحوى المجزرة واحد، المجزرة في وجوهها ومعانيها المختلفة، من المعنى المادي المباشر الذي يعني جزْر، وتشريد الآلاف والملايين، في صحارى العري الراشح بالموت الجماعي، والأخاديد التي فتحتها الطبيعة الأزليّة بخضمّ الرمال المتحولة، إلى المعاني الرمزيّة، والأخلاقيّة الروحيّة التي قُبرتْ قبل دخول الضحايا المثوى الأخير في مقابرهم الجماعيّة، والفرديّة».
وقد جاء أسلوب الكاتب هادئاً وقادراً على ضبط نفسه أمام مشهد الأزمة؛ تتدفّق لغته لكنها لا تنفعل، وإذا غضبت لم تجلد الذات. لذلك مُكّن من أن يقول أشياء كثيرة في هذا الكتاب؛ فالعمل في أساسه عمل أدبي، تحدّثَ الرحبي في الجزء الأول منه عن رحلاته إلى المغرب وبريطانيا وفرنسا، فاسترسل واستطرد، وتنقل بين الجغرافيا والفلسفة والذكريات، بأسلوب شيق، ولغة جميلة، وتماسك بين أفكاره جميعها..
أما الجزء الثاني فخصّصه لمجموعة من مقالاته التي كُتبت لتكون افتتاحيات لمجلة «نزوى»، التي يقوم على رئاسة تحريرها. وفي هذه المقالات مارس استطراداته كذلك، وتنقل بين قضايا كثيرة لامست في معظمها شؤون الربيع العربي، وثوراته، وبلدانه، وذكريات الكاتب في سوريا ولبنان وغيرهما من البلدان العربية. وتطرق إلى الإرهاب فناقشه بحصافة وسعة أفق، وتحدّث عن مظاهر الحياة في المجتمعات الخليجية مبدياً سخطه على كثير من سمات الحياة المعاصرة في هذه المجتمعات. إضافة إلى واقعنا المعاصر الذي قلّ أن يناقشه أحد بمثل هذا الانفتاح والبعد عن الانحيازات.