قبل عشرة أعوام وفي عهد حكومة الدكتور معروف البخيت تمّ تشكيل لجنة الحوار الوطني برئاسة السيد طاهر المصري رئيس الوزراء الأسبق وبمشاركة مختلف القوى السياسية والحزبية والنقابية والمختصين ، وجرى بداية تشكيل ثلاث لجان ؛ لجنة المرجعية برئاسة الدكتور رجائي المعشر ولجنة قانون الإنتخابات برئاسة النائب عبد الكريم الدغمي ، ولجنة الأحزاب برئاسة المهندس مروان الفاعوري . اللجنة المذكورة عقدت العديد من الإجتماعات واللقاءات ، وزارت كافة المحافظات ، وتلقّت الكثير من المقترحات ، وكان الهدف من تشكيل لجنة الحوار الوطني هو تعبيد الطريق أمام حكومة برلمانية ، والمساهمة في نقل الحياة النيابية والسياسية والحزبية إلى مرحلة متقدمة يكون للمشاركة السياسية الشعبية الدور الحاسم فيها . وكذلك إعداد مشروع لقانون أحزاب يسهم في تعزيز الحياة الحزبية وتشجيعها وتعزيز حضور الأحزاب في المشهد السياسي ، إضافة لوجود توصية بإجراء تعديلات دستورية لتطوير القانونين . اللجنة أشارت في مخرجاتها إلى ضرورة العمل على تبسيط إجراءات تسجيل الأحزاب مع تأكيد التزامها قانونيا وذاتيا بالمرجعية الوطنية الخالصة ، وإزالة العقبات الإدارية التي تواجه عملها ، ودعت إلى تأسيس هيئة وطنية مستقلة للإنتخابات والأحزاب .
وفيما يتعلق بقانون الإنتخابات ؛ أوصت اللجنة باعتماد النظام الإنتخابي المختلط ؛ نظام الأغلبية على مستوى المحافظة ، والقائمة النسبية المفتوحة على مستوى الوطن ، بحيث تمنح القائمة النسبية عشرين مقعدا ، ويعطى للناخب ورقتا إقتراع ؛ واحدة لقائمة المحافظة والأخرى للقائمة النسبية ، التي تتشكّل من أحزاب وائتلافاتها أو شخصيات وقوى مختلفة . ما نتج عن لجنة الحوار الوطني والتي شهدت رعاية ملكية كريمة ، ما زال للأسف في الأدراج رغم الجهد الكبير الذي قام به رئيسها طاهر المصري والأعضاء ، ولا أعتقد بأننا بحاجة اليوم لتشكيل لجنة أخرى أو إطلاق حوار وطني يستغرق منّا شهورا وربما أكثر من ذلك . ما نريده اليوم وبكل بساطة هو العودة لمخرجات تلك اللجنة والعمل على قراءتها جيدا من خلال لجنة يتم التوافق عليها من مختلف القوى ، ووضع الملاحظات اللازمة وإجراء ما يلزم من تعديلات على المخرجات السابقة بدل إضاعة الوقت في حوار جديد ، فنحن بحاجة ماسّة لاختصار الوقت والإنجاز . صحيح أن بعض المخرجات قد لا تكون مناسبة بعد مضي عشر سنوات ، غير أنّ ما أنتجته اللجنة يعتبر أساسا صالحا للإنطلاق وبسرعة ، فالحاجة باتت ملحّة لتغيير أو حتى نسف قانون الإنتخابات الحالي الذي لم يعد صالحا أبدا بعد الذي جرى في الإنتخابات النيابية الأخيرة ، إضافة إلى أنّ أي قانون للإنتخابات ستجري صياغته ،
عليه أن يلحظ وجود أحزاب سياسية حتى لو كانت ضعيفة ، فالديمقراطية لا تستقيم دون وجود الأحزاب . هذا يتطلّب مراجعة شاملة بحيث تتمكن الأحزاب من الوصول إلى السلطة التشريعية من خلال قوائم خاصة بها ؛ سواء كانت قوائم وطنية أو حزبية ، لا فرق ، المهم هو الوصول إلى مرحلة نجد برلمانا زاخرا بائتلافات حزبية ، حينها سيلمس المواطن الفرق بين النائب الحزبي السياسي والنائب الخدماتي . نحن أمام مرحلة هامة ومفصلية ، لا نريد الإستمرار في حقل التجارب الذي مللنا منه منذ ثلاثين سنة ، فالأصل هو وجود قانون دائم للإنتخابات ، بعيدا عن التجريب ، وقد جربنا الكثير من القوانين دون طائل ، ومن حق الأردنيين الوصول لمرحلة استقرار سياسي ونيابي وحزبي ، واختيار من يمثلهم بصورة حقيقية مع أهمية التأكيد على أن تشمل القائمة النسبية نصف المقاعد ، حينها يمكن القول بأن الاردن يسير على النهج الصحيح بترسيخ الإصلاح السياسي الذي طال انتظاره .