القلعة نيوز- أمضى لوك تشيبييلا، البالغ من العمر 39 عاماً، حياته وهو يسعى إلى التفوّق على ذاته ومهاراته الاستثنائية في الطيران. وفي ساعات مبكرة من يوم 13 مارس، أضاف إنجازاً جديداً إلى سجلّه المتميّز: أصبح أول شخص في التاريخ يحط بطائرة على مهبط المروحيّات في أعلى برج العرب الأيقوني في دبي، في الإمارات العربية المتحدة.
ولم يكن أمام تشيبييلا، وهو بطل سابق في فئة التحدي لسباق ريد بُل الجوي، سوى مسافة 27 متراً لإيقاف طائرته "كاب كرافترز ستول" (من طراز كاربون كاب/ إقلاع وهبوط بمسافة قصيرة) بعد الهبوط بسرعة 43 كلم/س. وفي حين أن الطائرة مصممة خصيصاً للهبوط المفاجئ في الظروف العادية، إلا أن هبوط طائرة على منصة تعلو 212 متراً في الجو، بجوار مبنى مؤلف من 56 طبقة، ومن دون إشارات مرئية لتوجيه الطيار، يعني أن تشيبييلا أنجز هبوطاً تاريخياً في ظل ظروف استثنائية.
وقال تشيبييلا، وهو قبطان طائرة إيرباص أي320 اليوم: "التحدي الأكبر كان الافتقار إلى النقاط المرجعية الخارجية، وهي التي تجدها عادة في المطار حيث لديك مدرج يمتد على مئات الأمتار."
وكان تشيبييلا يحضّر لهذه اللحظة منذ العام 2021، وهو أنجز ما مجموعه 650 هبوطاً تجربياً في بولندا والولايات المتحدة ودبي، لاكتساب الثقة والقدرة على فعل ذلك على مهبط مروحيات من دون نقاط مرجعية مرئية. غير أن جميع هذه التجارب أجريت على مستوى الأرض، وهو ما يختلف تماماً عما يحدث لدى الهبوط على سطح شاهق في الجو.
وأضاف الطيار البولندي: "لدى الاقتراب عادة من المدرج، أستطيع أن أرى كم أرتفع عنه، وأتحكّم بالتالي بسهولة بمسار الهبوط. أما اليوم فكانت اليابسة تحتي بأكثر من 212 متراً، واختفى مهبط المروحيات من أمام مقدمة الطائرة تزامناً مع تقلّص كل ما كان يحيط بي من الخارج. وكان عليّ أن أعتمد على التجارب التي قمت به وعلى حواسّي لدى اختفاء آخر النقاط المرجعيّة التي كانت أمامي إن كنت أريد النجاح في إيقاف الطائرة قبل نفاد المساحة المتوفّرة لذلك."
ومع الهبوط الأسطوري لتشيبييلا، ليست المرة الأولى التي يكون فيها المبنى الذات التصميم المستوحى من شكل الشراع مسرحاً لحدث مذهل. ففي العام 2005، خاض نجما كرة المضرب روجيه فيدرير وأندريه أغاسي مباراة على سطح الفندق الأشهر في دبي. وشهد العام 2013 تنفيذ ديفيد كولتارد عروضاً رائعة عبر الدوران حول نفسه بسيارة فورمولا 1، في حين قفز درّاج البي إم إكس كريس كايل في العام 2019 من طوافة ليحط مع درّاجته على مهبط المروحيّات.
ومع إضافة رحلته الجوية الأخيرة فصلاً جديداً إلى القصص الفريدة لمهبط المروحيّات، تحدّث تشيبييلا عن هذا التحدي وكيف يصنّفه مقارنة مع إنجازاته السابقة في عالم الطيران.
وقال: "شغفي الأكبر هو العروض الجوية الأكروباتية. طرت تحت جسور وارسو، كان هذا بدرجة صعوبة 5 من 10؛ هبطت على رصيف سوبوت البحري، وهو أطول رصيف خشبي في أوروبا، في العام 2019، وكان ذلك بدرجة صعوبة 7 على 10. غير أن الهبوط على برج العرب كان بدرجة 11 على 10."
وأضاف: "كنا في حاجة إلى سرعة الرياح واتجاهها المناسبَين: فالقليل من الرياح كانت لتمنعني من التوقف، والكثير منها قد تولّد اضطراباً شديداً قد يتلاعب بطائرتي مثل ورقة خريف."
وقدّم مهندس الطيران الأميركي الشهير والمخترع ومصنّع الطائرات مايك باتي الدعم لفريق الطيران الخاص بتشيبييلا، وعمل على تعديل طائرته.
وأنجز باتي مجموعة من التعديلات، أبرزها خفض وزن الطائرة إلى 400 كيلوغرام، ونقل خزان الوقود الرئيسي إلى الخلف لإتاحة فرملة أقوى، وإضافة النيتروز لتعزيز الطاقة وإنجاح التحدي الثاني لتيشبييلا، ألا وهو الإقلاع من مهبط المروحيّات.
وقال باتي: "في البداية، كان أكبر تحدٍ بالنسبة إلينا هو خفض وزن الطائرة." وأضاف: "أي كتلة متحركة لن توقف مسارها بسهولة، وإن لم ننجح في جعلها تتوقف، لكان لوك قفز بالطائرة من الجانب الآخر للمبنى."
وتابع: "غير أن طائرة أخف تعني كذلك أن الرياح ستتلاعب بها بسهولة أكبر، وأن التحكم بها سيصبح أضعف. وفي ظل تلك الأجواء، وبوجود مبنى طويل إلى جانب مهبط المروحيات، فإن تيارات هوائية غريبة تدور فوقه وحوله. لذا كنا نأمل في هبوب بعض الرياح المعاكسة اللطيفة للمساعدة في عملية الهبوط، ولكن ليس الكثير منها. كان ذلك تحدياً فريداً من نوعه بالفعل، رافقته مشاعر متناقضة."
والتحدي الثاني المتمثل بالإقلاع من مساحة بحجم ملعب كرة مضرب، كان يعني أن باتي يحتاج إلى حلّ منخفض الوزن وعالي الطاقة.
وقال باتي: "أضفنا خزانات نيتروز للحصول على طاقة كبرى من دون وزن كبير. يعمل هذا الوقود على تسريع الاحتراق في المحرك، مما يدفع أسطواناته إلى التسارع بشكل أكبر."
وتابع: "صنعنا الطائرة المناسبة تماماً لهذا المشروع، لكننا كنا نحتاج إلى الشخص المناسب لقيادتها. وثمة شخصان فقط على هذا الكوكب أرتاح للقيام بهذه المحاولة معهما. لوك هو بالتأكيد الشخص المناسب."
لطالما رغب تشيبييلا منذ نعومة أظافره بأن يكون طياراً، حتى أنه كان يعمل على مجالسة الأطفال في المملكة المتحدة لتمويل مسيرته المهنية في مجال الطيران. وهو أعرب عن تقديره للأشخاص الذين وقفوا إلى جانبه والمنظمات التي ساعدته في تحقيق المشروع الحلم الذي راوده، بما في ذلك الدعم والثقة التي حظي بها من أهالي دبي. وهو ختم قائلاً: "أعرف أن دبي منفتحة على مشاريع مثيرة للاهتمام ومبتكرة كهذا، وما زال لدي بالفعل بعض الأفكار من هذا النوع!"