هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ
ولم تكن تلك الوثيقة التي نظّمت علاقة المسلمين بالآخر،إلّا دليلا على رقي ّ الفكرة وعدالة المنهج ،وصدق النوايا ومن هذا المنطلق وقّعت وثيقة المدينة ،وفيها نصّ ،يقرّ التعاون بين أهل الافكار والعقائد المتباينه ،وهو المنطلق الذي انطلق منه الرسول صلى الله عليه وسلم،وهو يطلب مساعدة بني النضير في دية استحقّت على المسلمين
ويظل اليهود يهودا ،حتى ولو اختلف الزمان والمكان ،ويظل الغدر أخا لهم ،مهما وفى لهم النّاس ،وهاهو النبي صلى الله عليه وسلّم يقصدهم في ربيع الاول من العام الرابع للهجرة ويجلس إليهم،ليساعدوه حسب العهد بينه وبينهم ،
وهم في الخفاء يومؤون إلى فاتك منهم ،ليرميه صلى الله عليه وسلم بصخرة من أعلى الحائط الذي يتكيء إليه ،وينزل الوحي من ساعته أن انهض ،من بين اهل الرّجس الأذلة ،ويحكم أيها الشرذمة الجبانة ،يامن يخجل التّاريخ ان يكتب عنكم في صحائفه ،ويندى جبين البشرية ان تنسبوا إليها،لقد خنتم عهد الله ورسوله فاستحققتم العقاب ،وهو لا محالة نازل بكم فرسول الله وصحبه على منازلكم ،وهو يناديم بكل ما في قلبه من إخلاص لهدايتكم لعلكم تهتدون
ولأن رسالة نبيّ الله هي ان يدخل النّاس في دين الله،فإنّه يعرضه عليكم {يامعشر يهود ،اسلموا تسلموا ،فقالوا بلّغت يا أبا القاسم ،فقال ذلك أريد،فقالها الثّانية،فقالوا قد بلّغت يا أبا القاسم ،ثم قال الثالثة :إعلموا أن الارض لله ورسوله وإنّني أريد أن أجليكم ،فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه،وإلّا فاعلموا أن الارض لله ورسوله }
وتبرز اعناق النّفاق كما برزت قبلا في غزوة أحد ،فالمنافقون في المدينة يعدون بني النضير بالنصرة ،والله يعلم إن المنافقين لكاذبون ،واليهود يرفضون الجلاء ويهرعون إلى الأطم والحصون ،وهم الذين لم يواجهوا في حروبهم جيشا ،ولم يتقدّموا بسيوفهم صفّا ،حربهم دائما من وراء جدروحصون، ولكن هيهات لهم وقد غدروا من وفى لهم، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ،والله ما كانت حصونهم مانعتهم من الله ،ولكنهم يظنون غير ذلك ويتحصنون بحصونهم
والحصار يحيق ببني النضير وقد رفضوا الإنصياع لامر الجلاء بأموالهم وأهليهم ،فينطلق الأمر النبوي بقطع النخيل ،وهو أمر فتّ في عضد اليهود ،فنزلوا على حكم النبي صلى الله عليه وسلم ،وحملوا أموالهم ومتاعهم، حتّى إنهم ليقتلعون أبواب منازلهم ليحملوها ،يخربون بيوتهم بايديهم وأيدي المؤمنين ،ليكونوا عبرة لمن يعتبرويبصر ويتفكر، ويرتحل رؤوس الفتنة منهم وهم حيي بن أخطب وشيعته إلى خيبر، ليظل مدار الفتنة قريبا منهم ،ويظل خبثهم يحيك الدسائس للمؤمنين، يساندهم في مكرهم جيش الحقد الخفي، وطابور النفاق ،من منافقي يثرب وأهل الحقد فيها
ويسير الرّكب الذليل يتهادى بحمله الشقي،وقد امتلأ ت النفوس غيظا حقدا،وهو يقصد الشام ،حيث أول وفد إلى أرض الحشر التي وعد الله بها رؤوس الفتنة في الأرض ،وحيث ستنبعث عليهم عبادا لله أولي بأس شديد ،يجوسون خلال ديارهم ،وينفذون وعد ربّهم ،أن لا تبقى لليهود باقية ،وان تظل الذّلة والمسكنة مسحتهم الخالصة ، ولكي تكون هذه الرحلة التشتتيّة هي أول الحشر الموعود ،لتطهير الارض من دنس اليهود ،هؤلاء القوم الذين لعنوا على لسان الأنبياء وضجّت من سوء فعالهم الارض والفضاء ،وهم في كل مرة يعودون لما نهوا عنه ،وقد سرت فيهم روح الحقد ،ونمت في قلوبهم بذرة العداء للبشرية كلّها ،وظلّوا على مدار الزّمان ،مثيروا فتن وحروب ،ومحاربين لكل فكرة إصلاحي تسعى لخير البشرية ،وتدعو إلى منهج الله ،ولكنّ وعد الله حقّ،والحشر الذي بدأ أوّله في المدينة المنورة سيحين أوان آخره في بلاد الشام،فالقدس لله ولرسوله وللمؤمنين إرثا خالصا لأمة محمد صلى الله عليه وسلّم