
القلعة نيوز:
من الضروري أن نبدأ بتقييم المرحلة الأولى التطبيقية منظومة التحديث السياسي، حيث نراجع نقاط الخلل ونعمل على تصحيحها، مع تعزيز الإيجابيات وتوسيع أثرها في المرحلة الثانية (2028-2032). هذا التنقيح المستمر لتجربتنا الديمقراطية سيضمن الوصول إلى الحكومة حزبية في 2032 بأفضل صورة ممكنة.
هذا الأمر لا يتحقق إلا بمراجعة أهم القوانين الناظمة للعمل السياسي (قانون الانتخاب، قانون الأحزاب) وإعادة صياغة هذه القوانين بطريقة أكثر وضوحاً للمجتمع الأردني، وتلافي الثغرات التي ظهرت فيها خلال الانتخابات الماضية "الانتخابات النيابية 2024"، دوّن المساس بالقواعد الجوهرية لهما، حيث لا يزال الأهمّ الأكبر موجوداً، وهو الانتقال من عقلية "الأنا" إلى عقلية "نحن". نرغب في تعديل قانون الانتخاب لتعزيز العمل الجماعي المنظم على حساب العمل الفردي، لكن للأسف لا تزال بعض الممارسات الفردية حاضرةً بصورة أو بأخرى، وكأنك "يا أبو زيد ما غزيت ". ورغم أن قانون الانتخاب لعام 2022 وضع ضوابط صارمة وجادة لتعزيز العمل الجماعي، إلا أن المشكلة تبقى في الثغرات التي استغلها البعض لتجاوز فكرة العمل الجماعي المنظم، وهو ما يؤثر بالضرورة على جودة العمل النيابي، مما ينعكس على أداء وسياسات الحكومة، لأنّ ببساطة، برلمان قوي يساوي حكومة قوية، وهنا أستشهد بقول المخضرم البرلماني ورئيس مجلس النواب الأسبق عبد الكريم الدغمي، عندما قال: والله لما كنا في الحكومة نجتمع في مجلس الوزراء كان النواب ينطوا لنا من الشبابيك، كتعبير مجازي عن قوة المجلس آنذاك.
أرى أن ما قد يسهم في تنقيح منظومة التحديث السياسي هو الانتقال في الدائرة الوطنية (الدائرة الحزبية العامة) من نظام القائمة النسبية المغلقة إلى القائمة النسبية المفتوحة، مع الإبقاء على القاعدة الجوهرية في قانون الانتخابات الحالي، وهي أن المقعد العام يُمنح للحزب وليس للفرد. هذا التغيير سيحدّ من ظاهرة شراء المقاعد الأولية داخل القائمة الحزبية، إذ ستتساوى فرص المرشحين في الفوز بالمقعد النيابي، سواء كانوا في مقدمة القائمة أو في ذيلها. علاوة على ذلك، فإن هذا التحول سيؤدي إلى عمل جميع المرشحين على قدم وساق من أجل تحشيد الأصوات لصالح الحزب، مما يسهم في توسيع قاعدته الجماهيرية، ويؤدي بالتالي إلى زيادة نسب المشاركة في الانتخابات.
كذلك إضافة فكرة (البلوك الانتخابي)، هو تحالف بين مرشحين أو أحزاب لتوحيد الجهود الانتخابية وزيادة فرص الفوز، سواء عبر قوائم مشتركة أو تفاهمات غير رسمية. مما سيقلل عدد الأصوات المهدرة في الانتخابات. يؤثر (البلوك الانتخابي) على السلوك التصويتي للناخبين، إذ يزيد من فرص نجاح التكتلات السياسية الأحزاب الصغيرة والمتوسطة، كما أن هذه الآلية توسّع من القوة التصويتية للأحزاب السياسية، مما يجعلها أكثر قدرة على التأثير في مجريات العملية الديمقراطية، سواء من حيث التشريع أو الرقابة على الحكومة. أما العتبة الانتخابية، فمن الضروري تعديلها عبر خفض النسبة من 2.5% إلى 2%،و وإذا لم تصل على الأقل ثلاث قوائم حزبية تبقى تنخفض بنسبة 0.25% بدلاً من 0.50، حتى تتخطى ثلاث قوائم حزبية نسبة الحسم. مما يزيد من فرص وصول عدد أكبر من الأحزاب إلى البرلمان، ويقلل من نسبة الأصوات المهدورة في الدائرة الوطنية. كما أن هذا التعديل سيعزز من حدة التنافس بين الأحزاب، إذ ستدرك أن خفض العتبة يزيد من احتمالية تمثيلها في مجلس النواب.
بالنسبة للدوائر المحلية، أرى أن يتم تخصيص مقعد "حزبي" على غرار الكوتات ضمن مقاعد الدائرة المحلية، يكون هذا المعقد مُلكاً للحزب وليس للشخص، حيث تكون القائمة المحلية تضم مقعد حزبي فيها وما قد اسميه "المسار الحزبي" في الدائرة المحلية، وأن يتم كذلك إعادة المعقد المسيحي الثاني لمحافظة البلقاء وذلك لخصوصية هذه المدينة الجميلة والغالية على قلوبنا، حيث يتم زيادة عدد مقاعد محافظات البلقاء إلى تسعة مقاعد. بطبيعة الحال هذا سيؤدي إلى سحب مقعد مسيحي من المعقدين المسيحيين المخصصين في دائرة العامة الوطنية. أما العتبة في الدوائر المحلية والكوتات لا أرى أنها بحاجة أي تعديل فَ هي جيدة.
هكذا أرى أن هذه التعديلات ستحقق التوازن والتمثيل العادل لكثافة السكانية، وعدم تآكل التمثيل النسبي للمحافظات، وخصوصاً الأطراف وإذا رأينا الانتخابات الماضية أن هناك عدداً من الأحزاب همش الأطراف وخصوصاً الجنوب من أجل البعد عن العاصمة والقوة التصويتية الضئيلة فيها وإلخ، ومراعاة عوامل الجغرافيا والتاريخ السياسي. وعدم إقتناع الشارع الأردني بفكرة الأحزاب، الذي لا يزال يميل للتصويت للقوة التقليدية، ليس جهلاً بقدر ما هي عدم رغبة بالأحزاب وهو ما يعرف بأدبيات العلوم الإنسانية " بمقاومة التغيير" كسبب أول، وسبب الثاني إلا وهو أن التحديث السياسي والفكر الحزبي عمل تراكمي ولا نزال في بداية الطريق.
و أختم، أننا بحاجة إلى حوار بين القوى السياسية للوصول إلى صيغة أفضل لقانون الانتخابات، مما يسهم في تحسين جودته. وبذلك، نواصل مسيرة تحديث المنظومة السياسية وصولاً إلى أحزاب قادرة على تشكيل حكومات حزبية فاعلة.