شريط الأخبار
كتلة الميثاق الوطني: قرار الحكومة الاسرائيلية المصغرة استمرار لحربها المستعرة ضد الشعب الفلسطيني اختتام الأسبوع الثاني من الدوري الأردني للمحترفين CFI إدارة ترخيص تعلن فتح بوابة شراء الأرقام المميزة غدًا تشكيل المجلس الاستشاري الأعلى لجمعية الاقتصاد السياحي برئاسة الدكتور عمر الرزاز تركيا: على الدول الإسلامية الاتحاد لمواجهة خطة إسرائيل للسيطرة على غزة اجتماع عربي طارئ الأحد لبحث القرار الإسرائيلي بإعادة احتلال قطاع غزة امطار في الجفر والازرق وغبار في العمري والرويشد تحديث موقع القبول الموحد استعداداً للدورة الصيفية وزير الصحة ونظيره العراقي يبحثان تعزيز التعاون فتح باب الترشح لرئاسة جامعتي اليرموك والطفيلة التقنية الخارجية تعزي بارتقاء عدد من عناصر الجيش اللبناني وزير الإدارة المحلية يتفقد واقع الخدمات في بلديتي الفحيص وماحص مهرجان الأردن العالمي للطعام يسير قافلة مساعدات ثالثة لقطاع غزة الجيش الأردني ينفذ إنزالات جوية جديدة على قطاع غزة بالتعاون مع دول شقيقة وصديقة فعاليات صيف الأردن تُزين المفرق بحضور مُهيب (صور) حوارية لبحث آخر المستجدات المتعلقة بالأمن السيبراني الأردن يشهد زخماً اقتصادياً يمهّد لمرحلة جديدة للتحديث الاقتصادي النائب البشير : العلاقات التي تجمع الأردن بالمملكة المتحدة تاريخية ومتينة وزير الشباب يؤكد من المفرق: بناء شراكات لضمان جاهزية المنشآت الرياضية والشبابية تجارة الأردن: الشركات الأردنية قادرة على تقديم حلول برمجية مبتكرة

الشوابكة يكتب : الحرب الناعمة: خرائط الغزو بلا رصاصة

الشوابكة يكتب : الحرب الناعمة: خرائط الغزو بلا رصاصة
الصحفي جمعه الشوابكه
ليست كل الحروب تُرى على الخريطة؛ بعضها يجري في طبقاتٍ أدقّ: في القيم واللغة والخيال الجمعي. هذه هي الحرب الناعمة، صراع منخفض الضجيج عالي الفاعلية، يشتغل على مفاصل الثقة والمعنى فيُضعف الدولة قبل أن يُسقطها. ليست قصتها "من يملك الدبابات؟" بل "من يملك السردية؟". الحرب الخشنة تحسم مساحات، أما الحرب الناعمة فتحسم عقولًا؛ الأولى تحتل الأرض ثم تعيد تشكيل أهلها، الثانية تُعيد تشكيل أهل الأرض فتُصبح الأرض لاحقًا تفصيلًا. أدواتها مألوفة: شاشة تُلهي، مناهج تُعاد هندستها، اقتصاد يُعصر، ومنصات تُبرمج الانتباه، والنتيجة مجتمع يشكّ في ذاته، يخاصم تاريخه، ويستهلك رؤى خصمه وهو يظنها رؤاه.

في هذه الحرب، السردية والإطار أهم من الخبر نفسه، إذ تُبنى بيئة معنى جديدة تجعل من قيمك عبئًا ومن تضحياتك بلا جدوى. الثقافة الترفيهية تصنع ذائقة ثم قناعة: الطبيعي هو ما تراه كثيرًا، لا ما هو حقًّا. التعليم الموجَّه يعدّل بوصلة الأجيال من "من نحن؟" إلى "كيف نصير نسخة من الآخر؟". الاقتصاد يتحول إلى سلاح عبر العقوبات والإغراق والتلاعب بسلال الإمداد، فيُعاد تعريف الممكن والمعقول في وعي الناس. أما الفضاء الرقمي، فتتحكم به خوارزميات تفضّل الإثارة على الحقيقة، وتطلق جيوشًا إلكترونية تبني استقطابًا يعطّل أي توافق وطني.

التاريخ يثبت أن الإمبراطوريات لم تنتصر بالقوة وحدها؛ فالرومان نشروا القانون واللغة قبل نشر الفيالق، والاستعمار الحديث سلّط المدرسة على النخبة قبل أن يسلّط المدرعة على المدن، وفي القرن العشرين كانت الحرب الباردة مختبرًا كاملًا لهذه الحرب عبر الإذاعات، والسينما، ورموز الحياة اليومية التي تحولت إلى سلع استراتيجية. واليوم، حلّ اقتصاد الانتباه محل اقتصاد السلاح في معركة الوعي، وأصبح الزمن الذي يقضيه الفرد أمام الشاشة هو الأرض الجديدة. الخوارزميات لا تسأل "ما الصحيح؟" بل "ما الذي يُبقيك أطول؟"، ومعها تتآكل مؤسسات الوساطة كالنقابات والصحافة والمدرسة، فينفتح الطريق أمام أي لاعب يمتلك رأس مال رقمي ودهاء سردي.

الهزيمة هنا لا تأتي بدبابات عند الحدود، بل بمؤشرات داخلية: تسوّس الثقة من الإعلام إلى الدولة، تطبيع العبث حتى مع المقدسات الوطنية، استيراد الخصومة حتى يصبح المواطن واجهة لأجندات خارجية، وتشظّي اللغة حتى تفقد الكلمات معانيها. الردع في هذه الحرب لا يكون ببيانات نارية أو حجب ساذج، بل بهندسة مناعة على ثلاث طبقات: مناعة فردية عبر ثقافة نقدية تحصّن من التصديق الأعمى، مناعة مجتمعية عبر سردية جامعة وفن وأدب وصحافة معيارية تعيد تعريف الجميل والمفيد، ومناعة دولة عبر سياسات ذكية توفر الشفافية، ترد على التضليل قبل أن تنتشر الشائعات، وتحمي الاقتصاد الحقيقي لتبقى الجبهة الداخلية صلبة.

الحروب الناعمة لا تبحث عن علمٍ تُنزله من فوق مبنى؛ تبحث عن معنى تُنزله من داخل النفوس. والأمم لا تُصان بالحدود وحدها، بل بالمعادلة التي تمنح مواطنيها سببًا يرفضون به الكذب، ويغلبون به الإغواء، ويواصلون به البناء. والسؤال لم يعد: هل نتعرض للحرب الناعمة؟ بل: هل نملك ما يكفي من سرد صادق وقيم حية واقتصاد متماسك لنحبط جاذبية السرد الزائف قبل أن نصحو على وطن بلا هوية؟