
*السياسة الهاشمية في العلاقات الدولية من الثورة إلى القضايا المعاصرة*
القلعة نيوز:
د. عبدالله حسين العزام
جاء خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول من العام الجاري، الذي طرح فيه تساؤله المتكرر "إلى متى؟" بشأن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، امتداد طبيعي للدور الهاشمي التاريخي في الدفاع عن قضايا الأمة العربية والإسلامية، وفي مقدمتها تسليط الضوء على القضية الفلسطينية العادلة وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم على ترابهم الوطني وعاصمتها القدس الشرقية، حيث إن تجاهل إيجاد حلول حقيقية لها يفاقم الأزمات ويهدد الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي؛ كما جسد الخطاب الواقع الشعبي الأردني المعاصر، متوافقاً مع ما يتداول الأردنيون في المجالس والدواوين الشعبية حول حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم على ترابهم الوطني وعاصمتها القدس الشرقية، ودعمهم الكامل لموقف الملك الثابت، مع التأكيد في الوقت نفسه على الحفاظ على سيادة الأردن ومؤسساته واستقرار الدولة ووحدتها الوطنية.
في هذا الإطار، يمكن تحليل السياسة الهاشمية عبر أطر نظرية متعددة، فمن منظور الواقعية، عكس الخطاب الملكي قدرة الأردن على إدارة التوازنات الإقليمية وتحقيق الأمن الوطني في بيئة مضطربة، مع حماية المصالح الوطنية وصون استقرار الدولة ومصالح الأردنيين.
كما أوضح الخطاب، من زاوية البنائية، كيف شكلت الهوية الوطنية الأردنية والوصاية الهاشمية على المقدسات إطار رئيس لسلوك السياسة الخارجية، مدعوماً بتأييد شعبي واسع يعكس وحدة الشعب الأردني وارتباطه بالقيادة السياسية.
وعلى صعيد الليبرالية، أشار الخطاب الملكي أن الدور الأردني الذي يتجلى بوضوح في تعزيز التعاون الدولي لضمان إيصال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، كما ظهر ذلك في جهود المملكة الإغاثية والدبلوماسية في غزة.
وبالاستفادة من أدوات القوة الناعمة والدبلوماسية العامة، أبرز الخطاب كيف يمكن للسياسة الأردنية أن تحول الخطاب الأخلاقي والتاريخي إلى تأثير ملموس على صانعي القرار الدوليين، وتوجيه الرأي العام العالمي لدعم الحقوق الفلسطينية، مع إبراز الأردن كنموذج للالتزام بالقيم الوطنية والإنسانية.
ومن هذا المنطلق، لا يمكن فهم السياسة الأردنية المعاصرة بمعزل عن مسار القيادة الهاشمية التاريخي فمن الشريف الحسين بن علي في الثورة العربية الكبرى، مروراً بالملك المؤسس عبدالله الأول الذي أسس الدولة الأردنية الحديثة، وصولًا إلى الملك الحسين بن طلال الذي تميز بالحكمة في إدارة التحديات الإقليمية والموازنة بين الالتزام بالقيم الوطنية والضغوط الدولية؛ يواصل الملك عبدالله الثاني السير على هذا النهج، محافظاً على استقرار الأردن ووحدته الوطنية، وممثلًا إرادة الشعب الأردني في دعم الحق الفلسطيني مع الحفاظ على السيادة الوطنية الأردنية.
وبشكل متسق، عكس الخطاب بشكل جلي تأكيد استمرار الدور الهاشمي في حماية الحقوق العربية والفلسطينية ضمن منظومة القيم الوطنية الأردنية، مع إبراز التوازن بين القوة الصلبة والناعمة، وبين الإرث التاريخي والقدرة على التكيف مع التحولات الدولية، ليضع الأردن كنموذج فريد في السياسة الدولية، يجمع بين الواقعية والبنائية والليبرالية، ويؤكد أن موقف الأردن تجاه فلسطين ليس مجرد موقف رسمي، بل انعكاس لإجماع وطني وشعبي داعم للسياسة الملكية.
وعليه، لم يكن خطاب الملك أمام الأمم المتحدة مجرد موقف سياسي أو دعوة إنسانية، بل كحالة سياسية مؤثرة أوضحت كيف يمكن للسياسة الأردنية أن تجسد الإرث التاريخي والشرعية الأخلاقية، وتترجمهما إلى أدوات فعّالة في السياسة الدولية، وبشكل يعزز مكانة المملكة كفاعل مؤثر في النظام الدولي، ويؤكد استمرارية النهج الهاشمي في خدمة قضايا الأمة وحقوق الفلسطينيين، مع ضمان سيادة الدولة الأردنية واستقرارها ووحدة شعبها.