
ولد الهدى...
الحلقة السادسة..
القلعة نيوز ـ
سلسة من إضاءات في حياة سيد الخلق صل الله عليه وسلم ، تسعى لإضاءة جوانب مختلفة من حياته، تهدف إلى إحداث نقله من الفهم النظري إلى التطبيق العملي، الذي قد يخرجنا ويخرج الأمة من هذا الوضع الذي نعيش فيه.
الرسول والحكمة في القيادة ...
هل أستطيع أن أعلّم نفسي كيف تكون الحكمة في الحياة؟ هل أستطيع أن أعلّم نفسي كيف أنظر إلى الحاضر، والماضي، والمستقبل؟ هل أستطيع أن أعلّم نفسي مفاهيم الحب والكره والانتماء والعمل؟ هل أستطيع أن أحدد مجموعة القيم الخاصة بي، وأنطلق منها كما يسعى الحداثيون من الفلاسفة لذلك؟
حقيقة الفرق بين الفيلسوف والحكيم كما يقول لوك فيري (Luc Ferry) أستاذ الفلسفة والوزير الفرنسي السابق، بأن الحكماء لا يكتبون في الأغلب، ولكنهم يستطيعون أن يعلّموك كيف تحيا الحياة بحكمة.
في كثير من مفاصل الحياة نصطدم بهذا المصطلح، وهنا تحضرني تلك القصة التي ذكرها أحد الآباء عن ابنه عندما جاءه بلعبته سيارة وقد انخلع عجلها من مكانه، فما كان من الأب إلا أن ألقاها في سلة المهملات أمام نظرة الاستغراب من الابن، الذي قال له: إنني لا أستطيع إصلاحها. وهنا بادر الابن بإخراجها ومحاولة إصلاحها بنفسه، ونجح بعد عدة محاولات. نقطة نهاية السطر، أم هي نقطة بداية السطر؟
وهناك يقف الرسول صلوات ربي عليه بعد صلح الحديبية، وقد اعتَرى الصحابة كآبة واضطراب ورفض، حتى عندما أمرهم بالحلق وذبح الهدي، لم يبادر منهم أحد، فعاد مهمومًا إلى أم المؤمنين أم سلمة، لتقول له: اخرج دون أن تتكلم فاحلق رأسك واذبح هديك والقوم سيتبعونك.
بين الحكمة في القول والحكمة في الحياة، هل تكمن السعادة؟ هل يكمن الفهم؟ هل يستطيع الإنسان أن يعرف طريقه بنفسه؟ هل يعشق البشر المحاكاة في التصرفات والأفعال وردود الفعل؟ هل تحكمنا العقلية الجمعية في الفعل؟
هل نعلق في عقل القطيع، أو ننصاع لما يقوم به القطيع؟ وهنا أذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم العجيب: "إنما الناس كالإبل المائة، لا تجد فيها راحلة" الذي رواه البخاري.
نعم، نحن في تسعة وتسعين بالمائة من أفعالنا ننقاد ولا نقود، نتأثر ولا نؤثر، والخوف هو من محصلة القوى في المجتمع. نعم، عندما تكثر تلك الفئة التي تسير في اتجاه واحد، صائبًا كان أو خاطئًا، فإن واحدًا بالمائة فقط لديه القدرة على المواجهة والتحذير والتغيير. وهنا تصبح تلك الصورة التي ذكرها جورج أورويل في روايته المشؤومة 1984 حقيقة واقعة.
وهنا تقفز الخراف من السفينة إلى البحر لأن أحدها فعل ذلك، فيما يسمى بتأثير القطيع (Herd Behavior). هل تتحكم بنا الغرائز الاجتماعية أو الخوف والذعر، أم هو غياب العقل بشكل تام؟ هذه القصة تنطبق تمامًا على البشر للأسف.
ولذلك قالوا إن الحضارة لا تنتقل من مجتمع إلى آخر بشكل جزئي ولكن بصورة كاملة، لأن التصرف الحضاري يصبح هو السمة الغالبة في المجتمع، وعندها لن يجرؤ فرد على مخالفة القطيع، خاصة من تلك الخراف التي لا تحسن التفكير ولا التدبر ولا القرار. وهكذا يسير الجميع في اتجاه واحد، فإن كانت حركة المجتمع سليمة، فإنه حتى الخراف الضالة تسير في اتجاه صحيح، ولكن الخوف عندما تكون حركة المجتمع خاطئة، عندها ستبحث بألم عن تلك الراحلة.
وعندها يجب أن تجتمع مجموعة من الرواحل كما قال عيسى عليه السلام لتشكل الملح، وعندما يصبح الملح كمية حرجة يتغير المجتمع، بفعل هؤلاء، وصبر هؤلاء، وتضحية هؤلاء.
وهذا ما فعله الرسول القائد، فقد بنى مجموعة من القادة عبر سيرته الطويلة، وخاصة في الفترة المكية، كانت قادرة على خلق الدفع الحضاري والديني، وأثر هذه القوة الدافعة ظل مستمرا إلى اليوم ، فيما تعجز إمبراطوريات ومدنيات وقوى عن جعله مستمرا لعدة أجيال فقط ، وهنا تظهر حكمة القيادة والتربية والصناعة التي قام بها الرسول القائد صلوات ربي عليه.
إبراهيم أبو حويله.