اسراء دهيسات
في قلب الجنوب، حيث تنبض الكرك بتاريخها العريق وشهامة أهلها، تتجدّد الحكاية من جديد على بوابة جامعة مؤتة الجنوبية. هناك، وتحديدًا بجوار منطقة المشهد والجناح العسكري، ترتفع اليوم مسلّة ميشع بتصميم مؤتاويٍّ خالص، تجسيدًا لإرثٍ خالدٍ لطالما شكّل أحد أعظم رموز التاريخ المؤابي.
وقد جاءت هذه المبادرة المميزة بتوجيهٍ من جامعة مؤتة، التي أوعزت للنحّات المبدع محمد العظامات، ابن المفرق بوابة الشرق ونبض البداوة الأردنية الأصيلة، بأنْ يُحيي هذا الأثر من جديد. فصاغ بيديه مسلّة تقف شامخة من حجارة البازلت الأسود، وكأنها تعيد سرد حكايات ميشع الملك، وتستدعي أمجاد مؤاب التي وثّقها على مسلّته الأصلية قبل أنْ تنتقل إلى متحف باريس وتغيب عن أرض الكرك.
لكن مؤتة، بصرحها العلمي وبهويّتها الوطنية، أعادت لهذا الرمز مكانه، فقد نجحَت بجهود كوادرها المبدعة في تصميم نسخة تُشبه الرّوح قبل الشكل، نسخة تحمل الرسالة ذاتها: أنّ التاريخ لا يُنسى، وأنّ الإرث حين تحمله الأجيال يبقى حيًا مهما رحلت آثاره.
هذه المسلّة الجديدة ليست حجرًا منحوتًا فحسب؛ إنها رسالة تؤكد أنّ مؤتة ليست جامعة فقط، بل هي امتدادٌ لعمقٍ تاريخيٍّ وحضاريّ، تُعيد كتابة الماضي بروح الحاضر، وتُسطّر إنجازًا جديدًا يُضاف إلى سجل إنجازات "مؤتة السيف والقلم".
وهكذا، تعود مسلّة ميشع إلى الجنوب، تعود لتُزيّن مدخل الجامعة، وتُخبر كلّ من يمرّ من هناك بأنّ الأرض التي أنجبت الأبطال وصنعت التاريخ، ما زالت قادرة على الإبداع وصُنع الدّهشة.




