القلعة نيوز-
عن دار «العائدون» للنشر والتوزيع في عمّان، صدرت قبل يومين رواية «مايسترو»، الثالثة للزميل محمد جميل خضر، بعد روايتيه: «يافا.. بوينس آيرس.. يافا» و»نهاوند».
الرواية التي كُتِبَ على غلافها الأمامي أنها للشباب، ترصد في 151 صفحة من القطع المتوسط، سيرة حياة الشاب سمير منذ كان طفلاً في حارة عمّانية شعبية، يتحدث مع الدجاجة (حسنية)، ويساهر النجوم، ويقيم حفلاً صاخباً للكائنات.
بما يشبه التسلسل في مستويات تلقيها وفي أعمار هذا التلقي، تبدأ «مايسترو» التي صمم غلافها الفنان بسام حمدان، طفولية تتحدث عن الطفولة البعيدة لبطل الرواية عندما أظهر منذ أعوام عمره المبكرة، شغفاً بالموسيقى. شغفٌ جعله يصنع من أي اسطوانة خشبية أو معدنية آلة نفخ. يثقبها الفتى سمير، يضعها على طرف فمه، يعزف بينما القمر يضحك ويغني.
وحين يملّ آلات النفخ، يصنع من أيّ وعاء حديديّ ومن خيطانَ نايلون، ومن أي قطعة بلاستيكية، (جيتاراً) مجازياً.
تواصل الرواية بعد ذلك، رصد فترة مراهقة سمير، والتقائه في مرحلة دراسته الثانوية، بشابّين: حسني من سوريا ومحمد من العراق، يؤسس معهما نواة فرقة موسيقية منحوها ثلاثتهم اسم «الأمل»، لِما للاسم من دلالات ومن حاجة الجيل العربي الصاعد، لهذا الأمل، ليواصلوا دروب الحياة.
تكبر الفرقة، ويكبر سمير، ويفترض، بالتالي، أن تنضج مستويات التلقي لعالم الرواية الحكائيّ الدراميّ الدلاليّ الإنسانيّ مفعف المعاني.
بعد انتهاء دراسة سمير الجامعية، يصبح أعضاء الفرقة 21 عضواً من 18 دولة عربية، يسافرون بأغانيهم ومشروعهم الموسيقيّ الجماليّ المختلف، يبثون رسالتهم للعالم من حولهم، يتقاربون، تنشأ بين بعض صبايا الفرقة وبعض شبابها قصص حب، وحكايات تلد حكايات.
تغوص «مايسترو» بِلُغَةٍ مُتاحةٍ لليافعين والشباب، ممّن هم بين الثامنة عشرة والعشرين، في عوالم سمير وقصصه في حارته الشعبية، حيث بيته هناك قرب بيت جدته لأبيه، وحيث تتبلور شخصيته، ويراقص في مدى أحلامه الكواكب، ويصادق النيازك.
واقعية ساحرة تتيح للرواية أن تحلق، أن تفتح أفقاً ممكناً داخل عالم الأطفال والدجاج والطيور والخراف والقطط ومفردات الكون الفسيح.
«مايسترو»، في أهم وجوهها، رسالةٌ تنحاز للجَمال والفن والمعنى، وتسافر مع الصغار واليافعين والفتيان والشباب نحو عالم أكثر عدلاً ونقاء ومشروعية.
وهي إلى ذلك، دعوة لوحدةٍ ممكنةٍ بين شباب الأمة العربية وشاباتها تحت ظلال الموسيقى والغناء، طالما الوحدة المشتهاة في أفقها السياسي، بعيدة المنال.
في واحد من لقاءات سمير وعبير حبيبته الهاربة من محرقة الموت في بلدها سوريا، يجري بينهما الحوار الآتي:
«عبير: لماذا الحُروب يا حبيب الروح؟
سمير: كي نلتقي يا مهجة العمر.
عبير: أما كان يمكن أن نلتقي دون كل هذا العنف والموت والدمار؟
سمير: أحيانًا تكون الحروب ضرورية، كطريق نحو عالم أجمل. كدرب خلاص من ظلم أو احتلال أو اختلال بمعادلات الحق والمنطق والخير.
عبير: فأين عقول البشر؟
سمير: هناك صراع بين العقل والغرائز. بين الخير والشر. بين الألم والأمل. صراع بدأ عندما قتل قابيل هابيل.
عبير: فما ذنب مَيار أصغر أشقائي كي يحيا بلا أبٍ ولا أمّ؟
سمير: وما ذنب أحمد الدوابشة كي يحرق المستوطنون أسرته وعالمه كله وهو لم يفطم بعد؟
عبير: فتعال لنضم حزني إلى حزنك.
سمير: إنها أحزاننا معًا يا غاليتي. ولن تنتهي هذه الأحزان إلا عندما ندرك أن أقل مصيبة في الصومال هي مصيبتنا جميعنا.
عبير: أليست الصومال بعيدة كي ننشغل بهمومها ولدينا همومنا التي تعجز عن حملها الجبال؟
سمير: في الظروف الحالية معك حق. رغم أن المعنى لا يتجزأ. والمسائل لا تنفصل عن بعضها. أرادوا لنا أن نظل قابعين في ويلاتنا وحروبنا الأهلية وتمزقاتنا الدموية. مشغولين عن قضيتنا الكبرى: تحرير فلسطين.
عبير: فمن خلق هذه القضية الكبرى؟
سمير: الصهيونية العالمية.
عبير: لماذا؟
سمير: لماذا حقد أخوة يوسف عليه؟
عبير: لأنه أجملهم؟
سمير: ربما.
عبير: لأنه أنقاهم؟
سمير: ربما.. وربما لأنه أكثرهم وضوحًا في مسألة ضرورة العلم والإيمان واليقين. لأنه الشقيّ الذي لا يحب الكراهية. لأنه العفيف نظيف اليد والقلب واللسان. لأنه القوي الأمين. لأنه وصية والده ويد بصيرته وعبير أمله.
عبير: وهذه هي فلسطين. أجمل بلاد الأرض. أرض الرسالات وبيت المقدس. وصيفة البحر وجارة القمر. ملاذ إبراهيم وموسى وعيسى، ومسرى النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
سمير: عليهم جميعًا أفضل السلام وأتمّ التسليم.
عبير: فتعالَ نبني معاً مدينة الحب والأمل».