القلعة نيوز : تخيل أنك تعيش في سنة 1750، وفجأة فارقت الحياة بداعي واحد من الأمراض الكثيرة التي كانت شائعة في تلك الحقبة، من دون وجود أجهزة تخطيط القلب الحديثة لم يكن لممارسي مهنة الطب آنذاك أية طريقة مؤكدة للتأكد من ما إن كنت قد فارقت الحياة بحق، وأنك لم تكن غائبا عن الوعي فقط.
لا يرغب هؤلاء بكل تأكيد في دفنك حياً حتى يقطعوا الشك باليقين، فيقررون على إثر ذلك إجراء بعض الاختبارات على جسدك بحثاً عن علامات الحياة فيه، هنا يقترح واحد منهم إحداث شق في قدمك بواسطة شفرة حادة لمعرفة ما إن ستكون لك ردة فعل تجاه الأمر، بينما سمع آخر قصصاً من ألمانيا تتعلق بتابوت مجهز بجرس بإمكان الشخص ”المفترض ميتاً" قرعه في حالة ما استفاق من غيابه عن وعيه.
تابع معنا قراءة هذا المقال لمعرفة طرائق أخرى في قمة الغرابة، التي كان الأطباء والخبراء في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر يستخدمونها ليقرروا ما إن كان شخص ما ميتاً ولم يكن غائبا عن الوعي فقط:
1- استخدام أملاح الشمّ
كانت أملاح الشم، التي تقوم بإطلاق كمية من غاز النشادر، تستعمل من أجل إنعاش الغائبين عن الوعي على مر قرون. تتكون أملاح الشم بشكل أساسي من كربونات النشادر الصلبة، أما حديثاً، فيتم مزج محلولها بالماء.
كتب الرومان قديماً عن استخدام المركبات الكيميائية التي أساسها النشادر من أجل إنعاش المغمى عليهم وإعادتهم للوعي، بينما استخدم الكيميائيون في العصور الوسطى الأمونيوم المشتق من الأيائل من أجل إنعاش الغائبين عن الوعي بشراب أطلقوا عليه اسم ”روح قرن الأيل".
زادت شعبية أملاح الشم بشكل أخص خلال الحقبة الفيكتورية حينما اعتادت النساء على شد خصورهن أكثر من اللازم، فكنّ يغمى عليهن بشكل روتيني على أرائك منازلهن بفعل ضيق التنفس الناجم عن الشد المفرط لمنطقة الخصر. وخلال فترة الحرب العالمية الثانية أصبحت أملاح الشم عنصراً رائجاً وغرضا أساسياً في عدة الإسعافات الأولية.
تعمل أملاح الشم على إنعاش الغائبين عن الوعي من خلال تحفيز ردة فعل لديهم تتمثل في شهيق قوي، عندما يستشعر الجسم غاز النشادر، تتهيج على الفور الغدد المخاطية مما يتسبب في إطلاق شهيق سريع، يعكس هذا الشهيقُ السريعُ تباطؤ التنفس وتباطؤ دقات القلب التي تصاحب الإغماء.
بالنسبة لحالات الإغماء والغياب عن الوعي الحادة؛ كانت أملاح الشم تحدث نجاحاً إعجازياً، غير أنه بالنسبة لكل من كان في حالة غيبوبة أو عانى من إصابة بليغة على مستوى الرأس، فإن أملاح الشم وحدها ستقف عاجزة عن إنعاشه لسوء الحظ، كما لن تكون كافية لوحدها لإثبات أن الشخص ميت.
2- حمل أصابع يد الجثة فوق شمعة للتحري عن حركة الدم فيها
بينما لم يكن ممتهنو الطب في القرن الثامن عشر يفهمون بحق طبيعة الجسم البشري أو دورته الدموية، إلا أنهم كانوا على دراية بأن دورة الدم كانت أمراً ضرورياً وعنصراً هاماً من أجل الحياة. لم يكن التحقق من النبض شائعاً بعد بل كانت هناك طرائق أخرى للتحقق من الدورة الدموية، والتي كانت تمارس على نطاق واسع.
كانت أكثر هذه الطرائق شيوعاً للتحقق من كون الجثة خالية من الحياة حقاً هي بحمل أحد أصابع يد الشخص المتوفي فوق شمعة، في هذه الحالة كانت الحرارة الصادرة عن الشمعة كفيلة بتحفيز ردة فعل في حالة ما كان الشخص على قيد الحياة، كما كان الضوء الساطع عبر الأصبع ليُظهر ما إن كان الدم يجري في عروقه أم كان يتجمع في نهايته.
في حالة ما كان الشخص متوفيا بحق، كان الدم يتراجع ليتجمع في النهايات ورؤوس الأصابع. بما أن القلب لم يعد يعمل على ضخ الدم وإرساله في دورته المعتادة، فقد كان الدم يتجمع في نهايات الجسم.
إذا ما تم اختبار أصبع يد جثة ما فوق شمعة ولم يصدر عنه أية ردة فعل تجاه الحرارة الحارقة، وبدا أن الدم كان يتجمع في رؤوس الأصابع ما يجعل لونها أقتم، كان الطبيب النموذجي في القرن الثامن عشر ليتأكد بشكل شبه قاطع أن الشخص ميت. بالطبع نعلم الآن أن بعض الأمراض والأوبئة قد تجعل الدم يتجمع في نهايات الأطراف بينما لا يزال الشخص على قيد الحياة، لكن المعرفة الطبية في تلك الحقبة ما كانت لتنال أية فرصة ضد هذه الأمراض في جميع الأحوال
3- إقحام محرار خاص في معدة الجثة
واحدة من الطرائق المثيرة للاهتمام التي أتى بها ممتهنو الطب في العصور الوسطى من أجل معرفة ما إن كانت الجثة المستلقية أمامهم جثة هامدة بحق وليست شخصاً حياً مغمى عليه، هي استعمال ما عرف باسم Thanatometer، الذي يعني حرفياً ”مقياس الموت". صمم هذا المحرار الطويل (كريستيان فريدريك ناس) في سنة 1841 كوسيلة دقيقة أكثر لمعرفة ما إن كان شخص ما غائبٌ عن الوعي حياً أم ميتاً.
بغض النظر عن ردة الفعل المتوقعة من شخص حي يُقحَم بداخل معدته عمود معدني طويل، كانت هذه الأداة تتحقق بذكاء من حرارة الأعضاء الداخلية للجثة، وكان هذا المعيار نافعاً ومفيداً في الحالات التي كانت الأطراف فيها تبرد، غير أن الأعضاء الداخلية كانت تعمل بشكل طبيعي وكانت تصدر حرارة.
بينما تكون درجة حرارة الجسم الطبيعية 36 درجة مئوية، فإن جثة شخص ميت ستظل تفقد حرارتها بشكل ثابت حتى تصل حد التوازن مع درجة حرارة المحيط المتواجدة فيه. في علم الطب الشرعي الحديث، تُستخدم بعض التوليفات المعقدة –التي تتضمن السن والوزن وبعض العوامل الأخرى– من أجل حساب زمن الوفاة الفعلي بناء على درجة حرارة الجثة وقت العثور عليها.
بينما لم نعد في حاجة إلى قياس درجة حرارة معدة أحدهم لنعرف ما إن كان حياً وغائباً عن الوعي فقط أم ميتاً، فإننا لابد لنا من شكر السيد (ناس) لأننا مازلنا نستعين بدرجة حرارة الجثة حتى يومنا هذا.
4- استخدام توابيت مع آليات انفتاح الطوارئ
صمم مخترع يدعى (كريستيان إيزنبراندت) وصنع ما أطلق عليه اسم ”تابوت الأمان" في سنة 1843. كان هذا التابوت مصمماً مع نظام معقد من العتلات والبكرات المتصلة بحلقة توضع على أصبع يد الشخص المتوفي. إذا ما حدث وكان الشخص الموضوع في التابوت حياً واستفاق ليجد نفسه مدفوناً، كانت مجرد حركة بسيطة منه كفيلة بإطلاق سلسلة من التفاعلات التي تقوم بفتح غطاء التابوت.
كان التابوت مجهزا كذلك بغطاء مثغر، حتى يكون بمقدرة ”الشخص المدفون" خطأً الرؤية من خلاله في حالة ما استفاق.
تسبب هذا التصميم في طرح الكثير من التساؤلات المنطقية: إذا كان الغطاء مثغراً، لم قد يحتاج الشخص المفترَض ميتاً لحلقة من أجل فتحه؟ أما كان الغطاء خفيفاً لدرجة أنه كان بمقدوره فتحه بمجرد استفاقته؟ أضف إلى ذلك، أنه بوجود الغطاء المثغر، أما كان الشخص المفترَض ميتاً قادرا على الصراخ عبره وطلب النجدة؟ وفي حالة ما استفاق المفترض ميتاً ووجد نفسه في حالة شلل فلن تجدي الحلقة نفعاً أكثر من الغطاء المثغر.
ومنه اقترح (إينزنبراندت) لاحقا استخدامه مثل مشرحة مفتوحة، حيث نصح العائلات بترك أفرادها المتوفين حديثاً داخل ”تابوت الأمان" هذا لمدة معينة حتى تبدأ عملية التحلل في الجثة، وفي هذه النقطة يصبح من الآمن دفنهم بدون شك
5- إدخال ”عَلَم" في القلب
كانت إحدى طرائق اختبار الموت على الأفراد الغائبين عن الوعي هي استخدام إبرة طويلة في إحدى نهايتيها عَلَمٌ، وإقحامها داخل قلب الشخص المتوفي حديثاً. في حالة ما كان الشخص المفترض ميتاً على قيد الحياة كان العلم في نهاية الإبرة الأخرى لينشرح ويرفرف بفعل دقات القلب، هذا على الأقل وفقاً لمزاعم مخترع الأداة وهو الطبيب الألماني (ميدلدورف).
يبقى غير واضح كيف بدرت إلى ذهن (ميدلدورف) فكرة أن ضربات القلب قد تجعل العلم الموصول بنهاية الإبرة الطويلة ينبسط ويرفروف، بغض النظر عن ذلك، تم اعتماد هذا الاختبار وصار يُمارَس في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
هنالك دليل موثّق من القرن التاسع عشر يؤكد على أن هذا الاختبار كان قيد الاستعمال في الواقع، على الأقل في حالة واحدة. في سنة 1893، استخدم طبيب يدعى (سيفيرين إيكارد) ”علم القلب" هذا على جثة امرأة شابة كان والداها مقتنعين بأنها كانت على وشك أن تُدفن حية.
قام (إيكارد) بإقحام علم القلب في قلب الشابة المتوفاة، الذي لم ينبسط ولم يرفرف وهو ما اعتبره دليلاً على أنها كانت في الواقع ميتة وأنه لم يكن من داع يدعو أهلها للخوف من دفنها حية، غير أن هؤلاء الأخيرين بدلا من التفكير بمنطقية، اتهموا (إيكارد) بقتل ابنتهم من خلال إقحام إبرة طويلة في قلبها، وهو الأمر الذي تحول إلى فضيحة كبيرة بعد أن تداولته الصحف.
6- ترك الجثة حتى تتحلل
من بين جميع اختبارات الموت التي شاعت في القرن الثامن عشر، قد يكون هذا من أبسطها بدون شك، والذي يظهر كذلك بين طياته الكثير من المنطق والتفكير السليم.
لست متأكداً من أن شخصاً ما ميت؟ جيد، كل ما عليك فعله هو الانتظار لبضعة أيام، خاصة في أيام الصيف الحارة!
بينما قد يبدو الأمر فظيعاً، غير أنه باعتبار انعدام التكنولوجيا وبساطة المعرفة الطبية آنذاك، فإن مجرد الانتظار لبضعة أيام قبل الدفن كان الطريقة الأفضل والأكثر فعالية من أجل التأكد من موت الأشخاص، وإذا لم تُظهر الجثة أية علامات على التعفن، التي هي واضحة بدون شك، خاصة إذا ما تركت في محيط دافئ، فإن ذلك قد يعطيك سبباً جيداً ومقنعاً لافتراض أن الشخص ليس ميتاً.
قادت هذه الفكرة العملية إلى ظهور ما يسمى بـ”مشارح الانتظار" في ألمانيا، حيث كانت مجموعة من الممرضات تراقب أعداداً كبيرة من الجثث المتروكة داخل غرف للتأكد من أنها تتعفن وتتحلل بشكل طبيعي مثلما يجدر بها ذلك، وبينما كان هذا الأمر فعالا بدون شك، فإنه لم يكن شائعاً لأن الممرضات لم يكنّ يكترثن كثيراً بالسهر على مراقبة كامل الغرفة الممتلئة بالجثث المتحللة ببطء.
أضف إلى ذلك أن العائلات لم تكن تحبذ فكرة دفن أفرادها الذين تُركوا ليتعفنوا على مدى أيام.
7- ترك جرس للجثة داخل التابوت
اخترع طبيب ألماني يدعى (جوهان تابيرجر) تابوتاً يتضمن آليات إطلاق الطوارئ التي من شأنها تخويل كل من تم دفنه حياً من دق جرس داخل التابوت، الذي يقوم بدوره بإخطار حراس المقبرة بأن شخصاً ما دفن حياً.
تضمنت نماذج أولى عن ”توابيت الأمان" هذه مفتاحاً يمكّن الشخص المدفون من فتح التابوت في حالة ما استفاق، غير أننا لا نعلم كيف له أن يتعامل مع كل ذلك الكم الهائل من التراب المتكدس فوق التابوت على عمق مترين تقريباً.
من بين العيوب التي شابت تصميم (تابيرجر) هو أن الجثث الميتة كانت هي الأخرى قادرة على دق الجرس داخل التابوت. عندما تبدأ جثة شخص ميت في التحلل، فإنها تنتفخ وتتورم بسبب تلك الغازات التي تتسبب في إطلاقها عملية التحلل. قد يجعل هذا الانتفاخ الجثث تلامس الأجراس وتفعّلها.
جرس تابوت الأمان.
فقط تخيل أن تكون حارس مقبرة مسكين تسمع فجأة صوت جرس فتفترض أن شخصاً مسكيناً آخر قد دُفن حياً، فتسارع إلى نبش القبر لإخراج الشخص المسكين فقط لتجد منظراً مروعاً لجثة متحللة ومتعفنة.
لا نعلم بحق ما إن كان جهاز (تابيرجر) قد ساهم في إنقاذ أي شخص من الدفن حياً، غير أننا يمكننا الافتراض أنه قد يكون تسبب في موت بعض حراس المقابر المساكين إثر سكتات قلبية تصيبهم عند سماع تلك الأجراس لأشخاص عائدين من ”العالم الآخر"!
8- استعمال حبر غير مرئي والغازات التي تفرزها الجثث
لم يكن الطبيب الفرنسي (سيفيرين إيكارد) سعيداً باختراعه السابق في مجال التحقق من موت الأشخاص قبل دفنهم مثلما ذكرنا سابقاً —اختبار علم القلب—. في اختراع واختبار جديد له يليق أكثر بصفحات الروايات البوليسية، اخترع (إيكارد) نظاماً كتب فيه على ورقة ”أنا ميت حقاً" بواسطة حبر غير مرئي مُعدٍّ من أسيتات الرصاص الثنائي، ثم كان يضع تلك الورقة على مقربة من أنف الشخص المفترض ميتاً.
كان واحد من الغازات التي تنتجها عملية تحلل الجثة هو ثاني أكسيد الكبريت. عندما يتعرض أسيتات الرصاص الثنائي لغاز ثاني أكسيد الكبريت، فإن لونه يزول ويصبح مرئياً على الورقة، وبينما يمكن اعتبار هذه الطريقة درامية جدا في السعي نحو إثبات موت أحدهم فإنها كانت غير موثوقة جداً.
أولا، قد يزفر الأحياء غاز ثاني أكسيد الكبريت في بعض الحالات التي تسببها أمراض الأسنان أو أمراض التهاب اللوزتين. ثانيا، لا تنتج جميع الجثث كميات كافية من هذا الغاز من جهة الأنف من أجل تفعيل آلية نظام (إيكارد).
حاول أحد الأطباء الإنجليزيين إعادة اختبار طريقة (إيكارد) واكتشف أنه من بين كل ستة جثث كانت جثة واحدة فقط تطلق رسالة ”أنا ميت حقاً"، لذا فقد تحقق دحض أكثر الطرائق السينمائية والدرامية في التأكد من الموت على هذه القائمة، غير أننا يجدر بنا شكر الطبيب (إيكارد) وتصميمه الكبير على تطوير طرائق جديدة وغريبة للتحقق من الموت.
9- إقحام أحد أصابع يد الجثة في أذن الطبيب
على خطى الطبيب (سيفيرين إيكارد)، قرر طبيب آخر وهو (ليون كولونغ) تأسيس شهرته من خلال اختراع طريقة جديدة للتحقق من وفاة الأشخاص قبل دفنهم، تضمنت طريقة (كولونغ) وضع أحد أصابع يد الجثة في أذنه.
الأمر أكثر من جادّ، ذلك أن الطبيب (كولونغ) جادل بشدة على أن حركات العضلات اللاإرادية على مستوى أصبع يد شخص حي تسفر عن صوت أزيز لا يمكن إلا لأذن الطبيب المتمرس سماعه. يبدو أن الاستماع بانتباه لدقات القلب أو تحسس أي نبض في الجسم قد يكون أكثر سهولة وفعالية، غير أن (كولونغ) كان يسعى حتماً خلف التميز والتفرد بأية طريقة.
وكما لو لم يكن إقحام أصبع يد جثة شخص ميت في أذنك غريباً بما فيه الكفاية، في نهاية المطاف قام (كولونغ) بتوسيع نظريته لتشمل أن حتى مجرد الاستماع للأصابع قد يفيد في تشخيص والكشف عن بعض الأمراض لدى الأحياء.
الغريب في الأمر أن (كولونغ) كان أكاديميا حقيقياً، وقد بلغ به الأمر أن وثّق قوله بأن ”اختبار الاستماع للأصبع" في التحقق من الموت كان أفضل اختبار آنذاك، وأنه كان يتمتع بأفضلية كبرى على اختبارات زملائه في نفس الحقبة.
كما لو كانت فكرة الموت بسبب أمراض القرن التاسع عشر غير القابلة للعلاج سيئة بما فيه الكفاية، أو فكرة أنك قد تُدفن حياً، تخيل أن تعيش مع فكرة أن أفضل أمل لك في النجاة من واقع دفنك حياً عن طريق الخطأ يعتمد على رجل سيقوم بالاستماع لهمس أصابع يدك لتحديد ذلك!
10- كشط الجلد بقسوة
ابتكر بروفيسور يحمل اسم (إم. ويبر) اختبار تحقق من الموت كان مطلوباً وناجحاً لدرجة أنه فاز بجائرة 5000 فرنك فرنسي نظير عمله ذلك. قال البروفيسور (ويبر) أنه يجب كشط بقعة من جلد الشخص المفترض ميتاً بقوة بواسطة فرشاة لبضعة ساعات بعد افتراض الموت. إذا بدا أن الجلد متهيج، فتلك إشارة على أنه حي يرزق، أما إذا ما بدا مظهر الجلد مثل ورق البرشمان، فإنه في هذه الحالة يمكن اعتباره ميتاً.
قد تتخيل الآن كم كان سهلاً أن تكون عالماً في حقبة يعود عليك فيها كشط الجثث بأموال طائلة وحياة رغيدة ورفعة أكاديمية.
استعمل الناس والأطباء الآخرون نسخة أكثر عملية من هذا الاختبار، فقد كانوا يفركون الجلد بأعشاب مهيجة وذات أشواك. قد يوافق كل من سبق له الاحتكاك بنبات ”القرّاص" على أنه قادرة على إحياء الموتى! خاصة إذا ما تم فركه على الصدر والظهر، وكان أساس هذا الاختبار وأصله هو اختبار (ويبر)، فإذا استجاب جسم الشخص لتطبيق نبات مهيج، فمن المنطقي افتراض أن جهازه العصبي ودورته الدموية مازالت تعمل بشكل طبيعي، كما كان من المحتمل كذلك أن يساهم ذلك التهيج في إنعاش الغائبين عن الوعي.
11- اختبار الصعقات الكهربائية
التحقق من الموت بواسطة صعق الجثة بالتيار الكهربائي في فرنسا قديماهو علم يتركز على تحفيز حركة عضلية من خلال استعمال التيار الكهربائي وإخضاع الجسم له، وهو علم أسس له العالم الإيطالي (لويجي غالفاني) في نهاية القرن الثامن عشر. أشعل اكتشافه هذا فتيل المخيلة البشرية، على وجه الخصوص مخيلة المؤلّفة (ماري شيلي) التي أخرجت لنا رواية (فرانكنشتاين) التي يتم فيها منح جثة ميتة حياة جديدة من خلال استعمال التيار الكهربائي.
وسرعان ما أدرك العلماء آنذاك أن استخدام التيار الكهربائي لاختبار النشاط العضلي قد يكون طريقة جديدة للتحقق من الموت الفعلي للجثة، وكان أول من طبق هذه الفكرة هو (كريستيان أوغيست ستروي) في سنة 1805.
أظهرت الأبحاث آنذاك أن الجلفانية كانت بالفعل اختبارا صارماً لإثبات الموت عن الأشخاص. لسوء الحظ، كان العتاد اللازم مكلفاً جدا لدرجة أن قلة من المشافي كانت قادرة على الحصول عليه واستخدامه.
لم يتوقف استخدام الجلفانية عند هذا الحد، بل تجاوزه ليكون له رصيد في العلم الزائف على أنه ذلك العلاج المعجز لعدد غير محصور من الأمراض، بما في ذلك الأمراض العقلية. شهد القرن التاسع عشر ظهور ما يسمى بـ”الحمامات الجلفانية" كعلاج تستمتع به الطبقة الثرية حصراً، التي تم تخصيص لها كذلك حمامات جلفانية خاصة لا تتناول سوى نهايات الأطراف، وهو الأمر الذي اخترع بشكل أخص لفائدة سيدات الطبقات الراقية حتى لا يضطرن لخلع ملابسهن من أجل الفحوصات الطبية.
12- نتر وشدّ اللسان والحلمتين
كتب الطبيب (جاي. في. لابورد) أطروحة كاملة حول إنعاش جثة شخص ميت من خلال نتر اللسان. بينما قد يكون مفيداً من الناحية النظرية استخدام طريقة نتر اللسان من أجل فسح المجال أمام الهواء ليعبر إلى رئتي كل شخص أصيب بالاختناق، فإنه لم يكن بوسعه القيام بالكثير لأجل شخص يقبع في حالة غيبوبة، وتجاوز مرحلة التهيج بأشواط.
غير أن تفاني الطبيب (لابورد) لطريقته هذه جعله يذهب إلى أبعد من ذلك أن اخترع جهازاً خاصاً بنتر الألسنة وراح يروج له ويبيعه لموظفي المشارح العمومية. ادعى أنه في حالة ما تم نتر اللسان باستخدام جهازه هذا لمدة ثلاثة ساعات ولم يستفق الشخص المفترض ميتاً، فإنه ميت بحق.
قرر طبيب آخر وهو (جولس أنطوان) أن نتر الحلمتين كان الطريقة الأفضل لتحديد الموت والتحقق منه. قام هذا الأخير باختراع ما أسماه ”كماشة الحلمتين"، وتضمنت نظريته تطبيق مشابك مسننة على حلمتي المفترض ميتاً ونترها بشكل متكرر. من الصعب مجادلة المنطق وراء هذه الفكرة ذلك أنها بدون شك كفيلة بإيقاظ كل من غاب عن الوعي، غير أن هذا الاختبار تعرض لاستهجان وسخرية كبيرين، حتى في فترة حياة مخترعه.
13- حرق الجلد
كان حرق الجلد يستخدم في طرائق عديدة من أجل التحقق من الموت الفعلي. في أكثر أشكاله شعبية، كان يتم سكب ماء مغلّى على جزء من جسد المفترض ميتاً. كان الاعتقاد السائد أن الصدمة الناتجة عن الحرق بالمياه الحارة كفيلة بإيقاظ شخص ما من غياب عن الوعي غير خطير. اتجه أطباء آخرون إلى حرق نهاية الأنف مع نفس الهدف، الذي يتمثل في إخضاع جسم المفترض ميتاً لصدمة حرارة فائقة لعله يستفيق من حالة الغيبوبة إن كان على قيد الحياة.
اتخذ عالم إنجليزي يدعى (بارنيت) مقاربة علمية أكثر في حرق الجلد، واعتبر أنه إن لم تظهر فقاعات وبثور على الجلد بعد سكب الماء المغلّى عليه فإن الشخص ميت حقاً.
تضمنت طريقة (بارنيت) استخدام المياه المغلاة على جلد ذراع المفترض ميتاً. كان انعدام الفقاعات والبثور علامة على انعدام الحياة كذلك.
ليس واضحاً ما يجب فعله وفقاً لهذا العالم في حالة ظهرت الفقاعات ولم يستفق الشخص بعد، غير أن هذه الطريقة تداخلت مع ما كان متعارفاً عليه سابقاً، وهو أنه حتى بحرق الجثث الميتة فإن الفقاعات تظهر، وهو ما كان معروفاً خاصة في تلك الحقبة لما شهدته من حرق للساحرات والمشعوذين والمهرطقين. أضف إلى ذلك أن ظهور الفقاعات والبثور هو جزء من عملية التحلل الطبيعية.
14- نفخ الدخان في مؤخرة المتوفي حديثاً
في حقبة كان يُنظر فيها إلى النيكوتين على أنه عقار يصنع العجائب ولطالما وصفه المعالجون لمرضى الربو والنساء الحوامل، ليس من الغريب أن نعرف أن الحقنات الشرجية المُعدَّة من دخان التبغ كانت تعتبر علاجا طبيا معيارياً.
أولا تم اعتمادها كعلاج للغرق، حيث كان يُعتقد أن حقنات دخان التبغ الشرجية كانت تعمل على تدفئة جسم ضحية الغرق بينما تحفز في آن واحد غريزة التنفس لديها.
لسوء الحظ، كانت عملية محاولة إنعاش الغريق من خلال نفخ دخان التبغ في مؤخرته عن طريق الفم دائماً ما تعرض ممتهن الطب بسهولة لعدوى الكوليرا، التي كانت متفشية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
غير أن مخاطر عدوى الكوليرا لم تكن كافية لإيقاف زخم انتشار وشعبية حقنات دخان التبغ الشرجية والعلاج بها. تم اختراع المراوح تقريباً من أجل تعويض الحاجة إلى التهوية البشرية عن طريق الفم. مع توفر جهاز التهوية الآمن هذا، توسع استخدام حقنات التبغ الشرجية ليطال ميدان اختبار والتحقق من الوفاة.
كان يُعتقد أنه إن كان الشخص المفترض ميتاً على قيد الحياة بالفعل فإن دخان التبغ كفيل بإنعاشه وإعادة الدفء إلى جسمه وذلك من خلال تأثير النيكوتين.
على ما يبدو، تسبب هذا العلاج ”الفريد" في قتل الناس أكثر من إنقاذهم بسبب الكوليرا، كما لم يكن طريقة فعالة في التحقق من الموت أيضاً.
15- بتر أحد أصابع اليد
لا يسعنا تخيل حدث أكثر مأساوية وفظاعة من هذا: تخيل أن تدخل في حالة غيبوبة في القرن الثامن عشر، ولا أحد يعلم بالضبط كيف السبيل إلى إنعاشك، لذا يقررون بتر أحد أصابع يديك، وهنا تخيل أن تتمكن بطريقة إعجازية من الاستفاقة من غيبوبتك، فقط لتدرك أنك مازلت في خطر الموت بسبب المعرفة الطبية البسيطة آنذاك، كما تكتشف أنك فاقد لأحد أصابع يدك.
باعتبار انعدام المضادات الحيوية في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، من الممكن كذلك أنه حتى وإن لم تكن ميتاً من قبل، فإن الفعل الذي ”أنعشك" سيؤدي إلى هلاكك في نهاية المطاف، لأنك من المحتمل جدا أن تنهار أمام التقيح وإنتان الجرح الناجم عن بتر أصبعك بسبب البكتيريا التي ستغزو المجاري الدموية في جسمك.
لسوء الحظ، لم يكن المبدأ الكامن وراء اعتماد هذا الاختبار حتى علمياً، حيث أن ممارسيه لم يكونوا يبحثون عن علامات تباطؤ الدورة الدموية، أو توقفها تماما عند قطع الأصبع، بل كانوا يبترون الأصبع ويصلّون كي تدفعك صدمة الألم الفظيع تلك إلى الاستفاقة من الغيبوبة والعودة إلى الحياة من الموت.
بينما كانت اختبارات أخرى على هذه اللائحة تختبر أصابع اليد، مثل اختبار حمل يد الجثة فوق مصدر ضوء، بحثاً عن علامات تدل على وجود الدورة الدموية في الجسم بشكل طبيعي، فإن اختبار بتر الأصبع هذا كان عبارة عن طريقة شديدة البساطة والقسوة في آن واحد.
16- ممارسة تعذيب القدم
لم يكن علماء الطب الشرعي الأوائل سعيدين ببتر أصابع يدي المتوفين حديثاً أو صعق جثثهم بالتيار الكهربائي، ومنه اتبعوا واحدا من أكثر اختبارات التحقق من الوفاة شيوعاً عبر أوروبا: وهو تسليط أنواع تعذيب مختلفة على قدم المتوفي. على قدر السوء الذي يبدو عليه الأمر فإنه في الواقع أسوأ بكثير، استُخدمت في هذه الطريقة تقنيات معيارية من أجل تسليط ألم فظيع على الشخص المفترض ميتاً من أجل حمله على الاستيقاظ من غيبوبته إن كان ذلك هو حاله، ومن بين هذه التقنيات إقحام إبر ضخمة تحت أظافر أصابع قدميه، وكذا تقطيع باطن القدم بشفرات حادة.
كانت الفكرة الرئيسية وراء هذه الطريقة هو أن الصدمة التي يسببها الألم عند أذية القدم مفرطة الحساسية هي أكثر الطرائق فعالية في سبيل إنعاش كل من دخل في حالة غياب عن الوعي لفترة طويلة.
كما قام أطباء آخرون بحرق باطن القدم بواسطة فولاذ مسخَّن لأجل نفس الغاية السابقة، وكان تعذيب القدم في الكثير من المناطق في أوروبا كل ما يحتاج إليه الطبيب من أجل السماح بدفن جثة ما بدون خوف.
بعد قراءة كل هذه الطرائق والتقنيات السابقة التي كانت تُتبع من أجل التأكد من وفاة أحدهم في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ربما قد تفكر الآن أنه من الأفضل لكل من خضع لها أن يكون متوفياً بحق عند تعرضه لها، وأن لا يستفيق بعد أن يكون أحد الأطباء الشرعيين المتحمسين قد أخضعه لاختبار ”القدم"!