قدر زيد الرواشدة
مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية في الأردن، و ازدياد
نشاط الحراك الانتخابي في الشارع ، كان لا
بد من تقييم الأدوار التي تلعبها الأحزاب السياسية في تشكيل مستقبل البلاد لا سيما
واننا شهدنا تطوراً و تغييراً على منظومة العمل السياسي والحزبي من خلال تعديل
قوانين الانتخاب و الاحزاب السياسية وكذلك التعديلات التي طرأت على الدستور ليتوافق
مع تلك التعديلات .
ففي خضم هذه الديناميكية السياسية ، تتجلى ظاهرة العقلية
الفردية والتسلطية في بعض الأحزاب ، حيث كشفت الايام القليلة الماضية والتي اشتد
فيها نشاط الحراك الانتخابي عن انفراد
القادة بالسيطرة على جميع القرارات المهمة داخل الحزب .
هذه العقلية لا
تعكس فقط خللاً في بنية الأحزاب و هيكليتها ، بل تكشف عن تحديات جوهرية تهدد جوهر
الديمقراطية ومشاركة الأعضاء الفعالة في العمل الحزبي .
إن استمرار هذا
النهج يعيد صياغة الأحزاب و كأنها شركات خاصة يديرها زعيم الحزب وفقًا لمصالحه
الشخصية ، مما يقوض من فرص التغيير الإيجابي والإصلاح الحقيقي الذي كنا نطمح إليه
انسجاماً مع الرؤيا الملكية في التطوير وانخراط الشباب و مشاركتهم في العمل الحزبي.
لذلك كان لا بد من ان نسلط الضوء على التأثيرات السلبية لهذه العقلية على الحياة
الحزبية والسياسية في الأردن ، مع التركيز على ضرورة الإصلاحات الداخلية لتعزيز
الديمقراطية الحقيقية داخل الأحزاب .
فلقد شهدنا خلال الايام الماضية استقالات و اصوات هنا و
هناك تبدي استياءها من عملية اتخاذ القرارات في بعض الأحزاب الأردنية وانها تدار بعقلية الرجل الواحد ، حيث تتركز في يد زعيم الحزب أو مجموعة صغيرة من
القيادات العليا.
هذا التمركز في
السلطة ينشأ غالبًا من رغبة القيادات في الحفاظ على السيطرة والهيمنة على مسار
الحزب ، فتكون هذه السيطرة مدفوعة بالخوف من الانقسامات الداخلية أو من فقدان
النفوذ الشخصي.
وعليه فإن هذا النهج سيضعف العملية الديمقراطية داخل
الحزب، فتجاهل الآراء المتنوعة للأعضاء وعدم إشراكهم في صنع القرار، يشعر الأعضاء
بالاستبعاد والتهميش ، و هذا يمكن أن يؤدي إلى فقدان الثقة في القيادة ويثبط من
الحماس والمشاركة الفعالة في الأنشطة الحزبية المختلفة وتصبح الاحزاب و كأنها
شركات خاصة ستعيدنا إلى نقطة ما قبل البداية في الوقت الذي اعتقدنا فيه جميعا ان
رحلتنا نحو التغيير الإيجابي المعتمد على التشاركية و الديمقراطية البحتة قد
انطلقت مسرعة نحو بر الامان .
لذلك فإن تشبيه الأحزاب بالشركات الخاصة يعكس واقعًا حقيقيا طفى على السطح ، حيث يتم إدارة بعض الاحزاب
بأسلوب يهدف إلى الحفاظ على مصالح القلة المسيطرة، ففي هذا النموذج، يصبح الحزب
وسيلة لتحقيق المصالح الشخصية والسياسية لقادة الاحزاب فقط بدلاً من كونه مؤسسة ديمقراطية تمثل مصالح
أعضائها وقواعدها الشعبية.
فنلاحظ أن الذراع التنفيذي او الامين العام للحزب ، في هذا
السياق، يلعب دور رئيس مجلس الإدارة في شركة خاصة، حيث يتم اتخاذ القرارات
الرئيسية بشكل فردي أو ضمن دائرة ضيقة من المستشارين الموثوقين.
ويتم التعامل مع الحزب ككيان ملكي خاص يمكن توجيهه وفقًا
للرؤى والمصالح الشخصية للقادة، مما يعزز من سلطة ونفوذ هؤلاء القادة ويقلل من فرص
التغيير الديمقراطي الداخلي.
ان تأثيرات هذه
العقلية على الأداء الحزبي وانفراد القيادة باتخاذ القرارات ينعكس سلبًا على
الأداء العام للحزب.
فمن ناحية، يؤدي
إلى ضعف التواصل الداخلي بين القيادة والأعضاء، مما يقلل من فعالية الحزب في تنفيذ
برامجه وأهدافه.
كما انه يضعف من قدرة الحزب على الاستجابة للاحتياجات
والتحديات التي تواجه المجتمع، حيث تظل القرارات محدودة بوجهات نظر القلة
المسيطرة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي هذا النهج إلى انقسامات
داخلية وصراعات على السلطة، نتيجة شعور الأعضاء بالاستياء من تهميشهم واقصائهم ، وعليه قد
تؤدي هذه الانقسامات إلى انشقاقات وخروج
بعض الأعضاء لتشكيل أحزاب جديدة ، مما يزيد من تشرذم الساحة الحزبية ويضعف من قوة
الأحزاب في المشهد السياسي .
ومن هذا المنطلق تبرز لدينا الحاجة إلى إصلاحات داخلية لتعزيز
الديمقراطية داخل الاحزاب وذلك لتحسين فعاليتها لتتماشى و تتوائم مع الهدف العام
من إنشاءها ، و عليه لا بد من ان يكون
هنالك اصلاحات طارئه مستعجلة تهدف إلى
توزيع السلطة بشكل أكثر عدالة وشفافية لتشمل تعزيز مشاركة الأعضاء في صنع القرار،
وتطوير آليات ديمقراطية تضمن تمثيل مختلف الآراء داخل الحزب .
كما ينبغي التركيز على بناء ثقافة حزبية تقوم على
الشفافية والمساءلة، و يتم تقييم أداء القيادة بشكل دوري ، و إتاحة الفرصة للأعضاء
للمساهمة الفعالة في تشكيل سياسات الحزب وبرامجه بشكل فعلي وليس فقط من خلال طرح
لجان شكليه لا تملك اي قرار او فكره .
واخيرا فإن العقلية الفوقية والتسلطية والانفراد في
اتخاذ القرارات والتي بدأت تتنامى و تظهر من خلال ما تعكسه بعض الأحزاب في الاردن الامر الذي يخلق تحديات جوهرية تواجه الحياة
الحزبية في البلاد، مما سيؤدي إلى التقويض من أسس الديمقراطية ويحول الأحزاب إلى
كيانات تخدم مصالح القلة بدلاً من خدمة المجتمع ، لذلك فإن تحقيق الإصلاحات الداخلية وتبني ممارسات
ديمقراطية حقيقية داخل الأحزاب يمثل ضرورة ملحة لتعزيز دور الأحزاب في بناء مستقبل
سياسي مستدام ومزدهر للأردن.