القلعة نيوز:
د. عبدالله حسين العزام
يعد قرار التصويت في الاستحقاقات الانتخابية الدورية جوهر المجتمع الديمقراطي والمشاركة في الحياة العامة وصنع السياسات وتعزيز المجتمع المدني، ومع قرب الاستحقاق الدستوري بموجب قانونيْ الأحزاب والانتخاب المحدثين مؤخراً، والمقرر إجراؤها يوم العاشر من أيلول المقبل، لانتخاب المجلس النيابي الـ20 في الأردن، فإن هناك العديد من العوامل المتوقعة والمؤثرة على الخيارات التي يتخذها الأفراد في صناديق الاقتراع وتؤثر بشكل مباشر على عملية اتخاذ القرار بشأن ذلك، ولعل فهم هذه العوامل في الجغرافيا الأردنية بمثابة أمر بالغ الأهمية للوصول إلى فهم دقيق للسلوك الإنتخابي للأفراد وديناميكيات الانتخابات البرلمانية على أرض الواقع.
أبرز العوامل المؤثرة في قرار التصويت تتراوح ما بين عوامل على المستوى الفردي وأخرى على المستوى الإجتماعي والثقافي وأخيرا على المستوى السياسي، وكل هذه العوامل بطبيعة الحال تلعب دوراً مؤثراً في تشكيل تفضيلات الناخبين ومواقفهم حول المرشحين والأحزاب، وفي النهاية، الخيارات التي يتخذونها في صناديق الاقتراع.
وبناءاً على ما سبق يمكن إيجاز العوامل المؤثرة على قرار التصويت الإنتخابي بما يلي
أولا: العوامل المؤثرة على قرار التصويت على مستوى الفرد
1. الدخل : قد يكون الدخل عاملاً مهمًا يؤثر على قرارات التصويت، إذ أن هناك علاقة إيجابية بين مستويات الدخل والمشاركة السياسية، بمعنى يميل الأفراد ذو الدخل المرتفع إلى المشاركة السياسية بشكل أكبر وأكثر عرضة للتصويت مقارنة بأولئك ذوي الدخل المنخفض!.
٢. التعليم : قد يكون للتعليم تأثير كبير على قرار التصويت للأفراد، إذ أن الأفراد الذين يمتازون بمستويات أعلى من التعليم هم أكثر عرضة للتصويت، بمعنى أن هناك وجود ارتباط قوي بين التحصيل التعليمي والتفضيلات السياسية ويعزى هذا جزئياً إلى التعرض لأفكار متنوعة ومهارات التفكير النقدي والوصول إلى المعلومات التي تأتي مع التعليم العالي، وغالباً ما يعطي الأفراد المتعلمون جيداً الأولوية لقضايا مثل العدالة الاجتماعية والمساواة والسياسات الداخلية الرصينة التي تعالج التحديات المجتمعية، ما يعني ارتباط التحصيل التعليمي بزيادة المشاركة السياسية والاقتراع.
٣. الجنس : قد يكون للجنس تأثير بشكل كبير على قرارات التصويت للأفراد، إذ أن هناك علاقة بين الجنس والتفضيلات السياسية كذلك، فعلى سبيل المثال النساء يملن إلى دعم الأحزاب أو المرشحين الذين يولون الأولوية لقضايا مثل الرعاية الصحية والتعليم والرعاية الاجتماعية والمساواة بين الجنسين، بينما الرجال يعطون الأولوية للأحزاب والمرشحين الذين يولون الأولوية لقضايا مثل الأمن الوطني والقومي والنمو الاقتصادي والقيم التقليدية وصون حصة المكون العشائري تحت قبة البرلمان.
٤. الأيديولوجية السياسية : تشير الأيديولوجية السياسية إلى مجموعة من المعتقدات والقيم والمبادئ التي تشكل وجهات نظر المرء بشأن القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إذ تعمل هذه الميول كجسر يربط الناخبين بالمرشحين من ناحية والأحزاب من ناحية أخرى والذين يعكسون قيمهم الجوهرية وميولهم السياسية، وتؤثر تأثيرا مباشراً في قرار التصويت.
ثانياً: العوامل الاجتماعية والثقافية المؤثرة على قرار التصويت
١. الهوية الاجتماعية : تلعب الهوية الاجتماعية دورا مهماً في تشكيل قرار التصويت للأفراد، فعلى سبيل المثال الأشخاص الذين يرتبطون بالمناطق الإجتماعية العشائرية يمكن أن يؤثر ذلك على تفضيلاتهم السياسية وسلوكهم في التصويت، وغالباً ما يربط الأفراد خياراتهم في التصويت بالمصالح ووجهات النظر المرتبطة بهوياتهم الإجتماعية!.
٢. الشبكات الاجتماعيه : تؤثر منصات الشبكات الاجتماعية، مثل Facebook وTwitter وInstagram، التي ينخرط فيها الأفراد في المناقشات السياسية ويشاركون المحتوى السياسي ويتفاعلون مع المرشحين والحملات السياسية، إذ يمكن للشبكات الاجتماعية أن يكون لها تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على قرارات التصويت، نظراً لأسباب عدة أبرزها أولاً، توفر الشبكات الاجتماعية مساحة لنشر المعلومات السياسية، حيث يمكن للأفراد الوصول إلى المقالات الإخبارية والآراء ورسائل الحملة، كذلك يمكن أن يؤدي التعرض لمثل هذا المحتوى إلى تشكيل المعرفة السياسية للأفراد ومواقفهم وتفضيلاتهم، مما قد يؤثر بدوره على قرارات التصويت الخاصة بهم ثانياً، تسهل الشبكات الاجتماعية عمليات التأثير الاجتماعي ونشر المعلومات!.
٣. الدين : يمكن أن يؤثر الدين بشكل كبير على قرارات التصويت للأفراد، إذ أن المعتقدات والانتماءات الدينية تؤثر على التفضيلات السياسية وسلوك التصويت، إذ أن الأفراد غالباً ما يربطون خياراتهم في التصويت بالمرشحين أو الأحزاب التي يرون أنهم متوافقون مع قيمهم الدينية وقناعاتهم الأخلاقية والقيمية.
ثالثاً العوامل السياسية
١. الهوية الحزبية : تحديد الهوية الحزبية هو عامل مهم يؤثر على قرارات التصويت، بمعنى أن الارتباط النفسي للفرد بحزب سياسي معين، يمكن لتحديد الهوية الحزبية أن يشكل المواقف السياسية العامة للناخب وقيمه وتفضيلاته السياسية، ويعمل كإطار توجيهي لسلوكه في التصويت، إذ يوفر تحديد الهوية الحزبية للناخبين شعوراً بالهوية والانتماء إلى مجتمع سياسي أكبر، وبالتالي يبسط عملية صنع القرار من خلال توفير اختصار استدلالي أو عقلي لتقييم المرشحين ومواقفهم، ويمكن أن يؤثر تحديد الهوية الحزبية على قرارات التصويت من خلال عدة آليات، أولاً، تساعد الإشارات الحزبية الناخبين في تقييم مواقف المرشحين السياسية عندما يكون لدى الناخبين تحديد واضح للحزب، فإنهم يميلون إلى الاعتماد على منصة الحزب وسمعته لاستنتاج المواقف وبالتالى إتخاذ قرار التصويت.
٢. خصائص المرشح : تلعب خصائص المرشح دورا مهمًا في التأثير على قرارات التصويت، إذ يقيم الناخبون السمات الشخصية المختلفة والمؤهلات وخصائص المرشحين عند اتخاذ خياراتهم الانتخابية و يمكن لهذه العوامل أن تشكل تصورات الناخبين ومواقفهم وتفضيلاتهم في الإختيار، مما يؤثر في النهاية على قرارهم بدعم مرشح معين على حساب آخر ، ولعل أبرز الخصائص المهمة التي يأخذها الناخبون في الاعتبار هي خبرة المرشح ومؤهلاته، إذ يميل الناخبون إلى تقييم المرشحين بناءً على خلفيتهم التعليمية وإنجازاتهم المهنية وخبرتهم السياسية السابقة، وقد يُنظر إلى المرشحين الذين لديهم سجل حافل بالإنجازات أو الخبرة الإجتماعية والسياسية أهمية للناخبين على أنهم أكثر كفاءة وقدرة على الوفاء بفعالية بمسؤوليات المنصب الذي يسعون إليه، كما تلعب صفات القيادة المتصورة أيضا دورًا حاسماً في اتخاذ الناخبين للقرار، ومن الطبيعي أن ينظر الناخبون بشكل إيجابي إلى المرشحين الذين يظهرون سمات قيادية قوية مثل الثقة والكاريزما ومهارات الاتصال والقدرة على إلهام الآخرين وتعبئتهم، و صفات القيادة في الواقع ترتبط بقدرة المرشح على مواجهة التحديات واتخاذ قرارات سليمة وتوفير تمثيل فعال، علاوة على ذلك تعد النزاهة الشخصية والثقة بالمرشحين عوامل مؤثرة، سيما وأن الناخبون يقدرون الصدق والسلوك الأخلاقي والشفافية في ممثليهم المنتخبين، وبالتالي فإن المرشحون الذين يُنظر إليهم على أنهم جديرون بالثقة والمصداقية هم أكثر عرضة لحشد الدعم من الناخبين.
٣. المواقف السياسية : المواقف السياسية هي عامل حاسم يؤثر على قرارات التصويت، إذ ينظر الناخبون في المواقف السياسية ومواقف المرشحين عند تحديد دعمهم في الانتخابات، ويمكن أن تؤثر المواقف السياسية للمرشح مع تفضيلات وقيم الناخبين بشكل كبير على قرارهم بالتصويت لمرشح معين، ويقيم الناخبون المرشحين بناءً على موقفهم من القضايا الرئيسية، مثل الاقتصاد والرعاية الصحية والتعليم والبيئة والأمن القومي والقضايا الاجتماعية، وقضايا الحريات الشخصية والسياسية والإعلامية، والقضايا العامة المتعلقة بالحقوق المدنية.
٤. استراتيجيات الحملة الانتخابية : تلعب الدعاية الإنتخابية والإعلانات التسويقية واستراتيجيات الحملة دوراً حاسماً في تشكيل قرارات التصويت، ولا بد أن يتجه المرشحون في حملاتهم إلى إستخدام تكتيكات واستراتيجيات مختلفة لتوصيل رسالتهم وتعبئة المؤيدين وإقناع الناخبين ببرامجهم الإنتخابية في مختلف المناطق والقواعد الإنتخابية، إذ يمكن أن تؤثر هذه الاستراتيجيات على تصورات الناخبين ومواقفهم وفي النهاية قرارهم بدعم مرشح معين على حساب آخر ، ويعد الإعلام السياسي والإتصال الفعال بالضرورة جانباً اساسيا من استراتيجيات الحملة، ولا بدّ أن يستخدم المرشحون قنوات مختلفة مثل الخطابات و اللقاءات الدورية والإعلانات الميدانية واعلانات وسائل التواصل الاجتماعي والتواصل المباشر مع الناخبين الشباب على وجه التحديد في التجمعات الجماهيرية لنقل رسالتهم ومواقفهم السياسية، سيما أن وضوح وتماسك وإقناع اتصالات الحملة قد تؤثر بشكل كبير على كيفية إدراك الناخبين للمرشح ويعد استهداف شرائح محددة من الناخبين استراتيجية رئيسية أخرى وهنا يجب أن لا تغفل عنها الحملات، ويكون ذلك من خلال تحديد والتركيز على مجموعات ديموغرافية محددة أو مناطق جغرافية أو مجتمعات قائمة على الاهتمامات، والعمل على تصميم رسائل وسياسات تتوافق مع مخاوف وتطلعات تلك المجموعات الإجتماعية المستهدفة، ويهدف هذا النهج إلى بناء اتصال وتأمين الدعم من الناخبين الأكثر عرضة لتقبل تلك النداءات!!.