
بقلم / عدُي محمد الحنيطي
لطالما عشقت صحيفة الرأي اليومية فكلما قلّبت صفحاتها، شعرت بروح الصحافة، وبحدة الكلمة، وبوقار المهنة المتجذّرة بين سطورها، لم تكن مجرد أوراق مشبعة بالحبر تنقل آخر المستجدات، بل كانت كيانًا صحفيًا شامخًا، وإرثًا وطنيًا كبيرًا، ومسيرةً امتدت لعقود … صحيفة للوطن والمواطن معًا.
كانت الرأي وما تزال مرآةً للحرية، وصوتًا للكلمة الصادقة كم من نسخة منها تداولها الأردنيون في المقاهي والتجمّعات، وكانت حاضرةً في صباحاتهم، تشكّل لهم المصدر الأوثق، والشاهد الأصدق على تفاصيل الأخبار وحكايات الوطن.
ما دفعني إلى كتابة هذه الكلمات هو شعورٌ مختلطٌ بين الفخر والألم؛ فخرٌ بأنها كانت وما زالت حلمًا لكل من عشق هذه المهنة، ونبراسًا للمؤسسات الصحفية، ومنبرًا يتمنى كل صحفي أن يبدأ مشواره من خلاله، أو أن يكتب مقالاته على جوانب صفحاتها، وحتى إن لم يحالفه الحظ، يكفي أن يكون من جمهورها الوفي الذي رافقها قرابت نصف قرن من التأثير.
لكن كل تلك المشاعر تحوّلت إلى حزنٍ عميق، بعد أن زرت مبناها برفقة الزميل سامي الحربي، المرشّح لعضوية نقابة الصحفيين، والذي كان يتنقّل بين أروقتها بحثًا عن "فزعة” من أوفيائها الصابرين المتمسّكين بجمر الإرث الوطني والصحفي، رغم الحال التي آلت إليها.
تمنّيت حينها لو أنني لم أزرها، تمنّيت ألا أرى ذلك المشهد المؤلم … مشهد مؤسسة بدت وكأنها خرجت للتو من خراب. شعرت وكأنني أدخل مدينة اجتاحها العبث، أو منشأة مهجورة نُزعت منها الروح والحياة، كان الظلام سيّد المكان، رغم زيارتنا في وضح النهار.
فهل أصابها التحول الرقمي؟ هل نالت منها قذيفة من "نيران صديقة” اسمها التكنولوجيا؟ ماذا جرى؟ من أوصل الرأي إلى هذا الحال؟ ومن سمح بالعبث بهذا الإرث الذي طالما كان حلمًا لكل عاشق للمهنة الصحفية؟
نعم، نحن نعيش زمنًا غريبًا … لكن دعوا الرأي تتنفس ، دعوها تبقى حلمًا لكل من يطمح إلى عمل صحفي شريف ، أعيدوا إنتاجها، أعيدوا الحياة فيها .. لا تتركوها تختفي ، حافظوا على ما تبقى من الإرث الوطني، ومن جدّية وصلابة هذه المهنة .
عدي محمد الحنيطي
o-alhuniti@hotmail.com